لم يعد حضور اللاعب نائل العيناوي في تشكيلة المنتخب المغربي الأول لكرة القدم تفصيلا تقنيا عابرا أو مجرد رهان مستقبلي؛ بل تحول خلال الأشهر الماضية إلى ما يشبه القطعة الأساسية في منظومة وليد الركراكي، اللاعب الذي يعوض النقص، ويرمم الأخطاء، ويمنح المدرب حلولا في لحظات كانت تبدو بلا مخارج.
في زمن تعيش فيه كتيبة المنتخب المغربي ارتباكا تكتيكيا بسبب توالي الإصابات وتذبذب الجاهزية في بعض الخطوط، لا سيما في الدفاع ومحور الارتكاز وبناء اللعب من الخلف، برز اسم العيناوي باعتباره الخيار الأكثر موثوقية ونجاعة. لاعب لا يستعرض؛ لكنه يفرض حضوره بهدوء قاتل… تمريرات دقيقة، وقراءة ذكية للمساحات، وانضباط تكتيكي يجعل من تحركاته مفاتيح لإعادة التوازن.
منذ أول ظهور دولي له في شتنبر الماضي، خاض العيناوي تسع مباريات رسمية بقميص “أسود الأطلس”؛ سبع منها متتالية أساسيا، وهو رقم يعكس حجم الثقة التي حظي بها في وقت قياسي. في مباراة مالي خلال كأس إفريقيا للأمم 2025، توج بجائزة أفضل لاعب في اللقاء بعد أن قاد وسط الميدان بهدوء، مؤكدا أنه لا يحتاج إلى أهداف ليصنع الفارق.
العيناوي لا يلعب دور رقم 6 الكلاسيكي، ولا يكتفي بتمركز محافظ أمام رباعي الدفاع؛ بل يتحول داخل المباراة إلى محور دينامي يربط الخطوط الثلاثة. عند فقدان الكرة هو أول من يضغط ويغلق زاوية التمرير، وعند الاستحواذ يتحول إلى نقطة ارتكاز لبناء اللعب عبر تمريرات عمودية تكسر الخطوط أو تحولات سريعة تخفف الضغط عن الدفاع وتمنح الأظهرة متنفسا هجوميا.
وليد الركراكي نفسه نوّه، في أكثر من مناسبة، بقدرة اللاعب على الركض لمسافات طويلة وتخفيف العبء عن بقية لاعبي الوسط، واصفا إياه بـ”اللاعب الذكي الذي يمنح الفريق توازنا حقيقيا”.
ومن الناحية الفنية البحتة، يصنف العيناوي باعتباره لاعب وسط شاملا يعتمد على التنظيم وتمرير الكرة وصناعة الفرص أكثر من اعتماده على المهارات الفردية أو التهديف المباشر. أرقامه تظهر معدلات تمرير مرتفعة ودقة عالية في التوزيع؛ مما يجعله من بين أبرز منظمي اللعب في وسط الميدان.
في المقابل، يكشف انتقاله إلى الدوري الإيطالي أنه لا يزال في مرحلة تأقلم مع أسلوب أكثر صرامة تكتيكيا، يركز بشدة على الدفاع والانضباط، خصوصا بالنسبة للاعبي الوسط؛ وهو ما يتطلب منه تطوير سرعة اتخاذ القرار تحت الضغط وتعزيز جانبه الدفاعي.
وعلى الرغم من انخفاض مساهمته التهديفية في إيطاليا مقارنة بما كان يقدمه في الدوري الفرنسي، فإن مؤشراته الإبداعية تظل مرتفعة نسبيا، لكون مدربه يعتمد عليه أساسيا أكثر في الدوري الأوروبي، إذ يؤكد أنه حاضر في جوهر صناعة اللعب.
في مباريات المنتخب الأخيرة، بدا واضحا أن وليد وجد فيه ضالته. ففي ظل غياب الاستقرار الدفاعي وتراجع جاهزية بعض الأسماء المحورية، صار العيناوي أشبه بالتحفة الفنية لا يمكن الاستغناء عنها. حضوره أعاد إلى المنظومة توازنا مفقودا، ليس فقط من حيث الاسترجاع والضغط، بل أيضا في إدارة الإيقاع، يعرف متى يهدئ اللعب ومتى يسرعه، ومتى يغامر بتمرير عمودي جريء بدل الاكتفاء بالدوران العقيم حول الكرة.
اللافت في تجربة العيناوي مع “أسود الأطلس” أنه لم يحتج إلى فترة تأقلم طويلة. منذ أولى مشاركاته بدا وكأنه جزء أصيل من المشروع، يفهم فلسفة الركراكي ويترجمها ميدانيا بلا ضجيج. وهذا بالضبط ما جعل اختياره خلال الأشهر الماضية يبدو الخيار الأكثر موثوقية في تشكيلة المدرب الوطني، في وقت لا تزال فيه مجموعة من الخطوط تعاني من هشاشة بنيوية، خاصة في الدفاع ومحور الارتكاز وبناء اللعب من الخلف.
لا تخلو قصة العيناوي من بعد رمزي مؤثر؛ فهو ابن أسطورة التنس المغربي يونس العيناوي، الذي حمل راية المغرب في ملاعب الكرة الصفراء وبلغ أعلى المستويات العالمية. اليوم، يواصل الابن المسار ذاته ولكن فوق العشب الأخضر، جامعا بين الانضباط الذي ورثه عن والده ومتطلبات كرة القدم الحديثة.
ومع دخول هذا الاستحقاق القاري الكبير، يبدو أن وليد الركراكي بات يمتلك أخيرا تلك القطعة التي طال بحثه عنها… لاعب لا يسرق الأضواء؛ لكنه يصنع الفارق في صمت. نائل العيناوي، اليوم، ليس مجرد لاعب واعد في وسط المنتخب المغربي؛ بل الحجر الأساس الذي تبنى عليه ملامح التوازن الجديد لـ”أسود الأطلس”.
المصدر:
هسبريس