رغم التحذيرات المتكررة من السلطات والمنظمين بخصوص مخاطر اقتناء تذاكر مباريات كأس إفريقيا للأمم من خارج القنوات الرسمية، لا تزال السوق السوداء تنشط بشكل لافت، مستغلة الإقبال الجماهيري الكبير على مباريات “الأسود”، خصوصا المواجهات التي يخوضها المنتخب المغربي على أرضه.
ورصدت جريدة هسبريس عروضا متواصلة على فضاءات رقمية غير رسمية، من بينها خاصية “ماركت بلايس” على موقع “فيسبوك”، لبيع تذاكر المباراة التي ستجمع، اليوم، المنتخب المغربي بنظيره الزامبي، بأسعار تفوق بكثير المحددة رسميا. هذه العروض، التي تُنشر غالبا تحت أسماء حسابات غير موثوقة، تُقدَّم في صيغة “فرصة أخيرة” أو “تذاكر محدودة”، في محاولة لاستدراج الجماهير المستعجلة لحضور اللقاء.
ولا يقتصر الأمر على المضاربة غير القانونية في الأسعار، بل يمتد إلى عمليات نصب واحتيال صريحة، كان آخر ضحاياها المؤثرة المغربية سارة أبو جاد، التي أعلنت عبر حسابها على “إنستغرام” تعرضها لعملية نصب أثناء محاولتها اقتناء تذكرتين بقيمة 3000 درهم.
وقالت أبو جاد، عبر صفحتها على “إنستغرام”، إنها وأختها تواصلتا مع شخص يعرض تذاكر عبر “ماركت بلايس”، قبل أن يطلب منهما تحويل المبلغ أولا، مدعيا أنه سيرسل التذاكر لاحقا باسميهما.
وأعلنت المؤثرة المغربية أنها قامت بعملية التحويل إلى الشخص الذي يدعي بيع التذاكر، وما إن توصل بالمبلغ المطلوب حتى بات التواصل معه مستحيلا.
وبمجرد إعلانها عن عملية النصب هذه، توصلت أبو جاد بعشرات الرسائل لأشخاص تعرضوا للنصب أيضا بمثل هذه الطريقة.
هذه الواقعة أعادت إلى الواجهة التحذيرات من مخاطر التعامل مع وسطاء غير معتمدين، خاصة في ظل اعتماد طرق أداء إلكترونية يصعب تتبعها في حال وقوع الاحتيال. كما تطرح، في المقابل، تساؤلات حول مدى نجاعة الإجراءات الرقمية المعتمدة لمحاصرة إعادة بيع التذاكر، وقدرة المنصات الاجتماعية على الحد من استغلال فضاءاتها في أنشطة غير قانونية.
في هذا الإطار، قال الطيب هزاز، خبير في الأمن السيبراني، إنه “رغم اعتماد أنظمة بيع رقمية حديثة وتوجيه تحذيرات رسمية للجماهير، لا تزال ظاهرة سماسرة التذاكر ترافق التظاهرات الكروية الكبرى، وعلى رأسها كأس إفريقيا للأمم. غير أن تفسير هذه الظاهرة لا يمكن اختزاله في اختراق سيبراني مباشر، بل يتعلق غالبا بتداخل ثلاثة مستويات: تقني، تنظيمي، وبشري”.
وشرح هزاز، ضمن تصريح لهسبريس، أن ما يحدث “ليس اختراقا بالمعنى السيبراني الكلاسيكي”، قائلا: “في أغلب الحالات، لا يلجأ سماسرة التذاكر إلى اختراق الخوادم أو كسر أنظمة الحماية المتقدمة، بل يستغلون إمكانية شراء عدد كبير من التذاكر عبر حسابات متعددة، وغياب الربط الفعلي بين التذكرة وهوية صاحبها عند الدخول”.
وأفاد هزاز بأن “هذا يعني أننا لسنا أمام هجوم سيبراني معقد، بل أمام استغلال مشروع لثغرات مشروعة في النظام”.
وتحدث الخبير السيبراني أيضا عن “سوء تدبير تقني في تصميم منصة البيع”، موردا أن “بعض المنصات الرقمية تُصمَّم بمنطق البيع السريع أكثر من البيع الآمن، ما يؤدي إلى غياب أنظمة رصد السلوك غير الطبيعي (Behavioral Analysis)، وعدم كشف الشراء الآلي (Bots) أو الشبكات المنظمة”، متحدثا أيضا عن “ضعف القيود على عدد التذاكر لكل جهاز أو عنوان IP. وهنا يتحول النظام الرقمي من أداة تنظيم إلى أداة تُستغل ضد هدفها الأصلي”، بحسب توضيحه.
وذكر هزار أيضا أن “العامل البشري لا يقل خطورة”، مبرزا أنه “في بعض الحالات، يُشتبه في تسريبات داخلية، وتواطؤ بشري محدود، أو سوء توزيع للحصص المخصصة”، وأكد أنها “عوامل لا تُعالج بالجدران النارية، بل بالحوكمة والرقابة”.
على صعيد آخر، أشار هزاز إلى “انتشار التذاكر الوهمية وعمليات النصب بالتسبيق”، قائلا: “إلى جانب السوق السوداء التقليدية، تم خلال الرصد الميداني والرقمي تسجيل حالات متعددة لأشخاص يعرضون تذاكر وهمية للبيع عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري”.
وأكد أن “هدف هذه الشبكات لا يتمثل في توفير تذاكر حقيقية، بل في تحصيل تسبيق مالي من الضحايا، ثم الاختفاء مباشرة بعد تحويل المبلغ”.
ونبّه إلى أن هؤلاء “يعتمدون على صور مزيفة لتذاكر رقمية أو لواجهات منصات البيع، أو ادعاء النفاد السريع أو علاقات داخلية، وكذا الضغط النفسي على الضحية بدعوى محدودية الوقت”.
وأكد هزاز أن “هذه الممارسات لا تستهدف فقط الجماهير، بل تسيء أيضا إلى مصداقية المنصة الرسمية، وتُبرز خطورة الاحتيال الرقمي الاجتماعي (Social Engineering) أكثر من أي اختراق تقني”.
وكمعطى آخر، تحدث المصرح لهسبريس عن “رصد مواقع احتيالية تستهدف المعطيات البنكية للجماهير”، قائلا: “في سياق الرصد السيبراني الاستباقي، تمكنت أنظمتنا المتطورة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من اكتشاف موقع إلكتروني احتيالي يحاكي بشكل شبه مطابق الموقع الرسمي لكأس إفريقيا للأمم المخصص لبيع التذاكر”.
وقال إن هذا الموقع المزيف يعتمد تقنيات التصيد الاحتيالي (Phishing)، ويهدف إلى “استدراج الزوار بدعوى شراء التذاكر، وجمع المعطيات البنكية وبطاقات الأداء، وسرقة البيانات الشخصية واستغلالها لاحقا في عمليات احتيال مالي”.
وخلص الخبير السيبراني إلى أن ما يحدث في بيع تذاكر كأس إفريقيا للأمم “ليس فشلا سيبرانيا بقدر ما هو فشل في الحوكمة الرقمية”، معتبرا أن “الحل لا يكمن فقط في تعزيز الأمن المعلوماتي، لأن كل هذه الأنظمة المعلوماتية محمية من قبل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية الأنظمة المعلوماتية المغربية، بل يكمن في ربط التذكرة بالهوية البيومترية أو الرقمية، واعتماد أنظمة كشف السلوك الاحتيالي، وتشديد الإطار القانوني والتنظيمي لإعادة البيع”.
وأكد الهزاز أنه “في عصر الرقمنة، الخطر الحقيقي لا يأتي دائما من الهاكر، بل من ثغرة صامتة بين التقنية وسوء التدبير”.
المصدر:
هسبريس