آخر الأخبار

استئصال "شغب الملاعب" يسائل التحصين النفسي والاجتماعي عند الشباب

شارك

تشهد مباريات كرة القدم المغربية بين الحين والآخر أعمال شغب وعنف، سواء داخل الملاعب أو بمحيطها، وأحيانا تمتد إلى الشوارع والأزقة المجاورة؛ آخرها ما وقع بعد نهاية المباراة التي جمعت بين فريقي الجيش الملكي والوداد الرياضي، حيث شهدت جوانب الملعب أعمال شغب وإلحاق أضرار مادية بممتلكات عمومية، إلى جانب الاعتداء على موظفين عموميين أثناء مزاولة مهامهم؛ ما أسفر عن توقيف 17 شخصا، من بينهم 5 قاصرين.

وتعيد هذه الأحداث إلى الواجهة ملف الشغب الرياضي بما يختزنه من أبعاد نفسية واجتماعية معقدة. كما تفتح باب التأمل في دوافع هذا السلوك الجماعي وحدوده وتأثيراته المتشابكة على تماسك النسيج المجتمعي، لا سيما في أوساط الشباب الذين يشكلون الشريحة الأوسع من جمهور الملاعب المغربية.

تعبير سيء

حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع، قال إن “مشكلة الشغب الذي يرافق مباريات البطولة الوطنية في كرة القدم أصبحت تؤرق جميع القوى الأمنية والسلطات المحلية في المدن التي تُقام فيها هذه المقابلات. كما تؤرق أيضا أصحاب المحلات التجارية والسكان القاطنين بالقرب من الملاعب أو في مسارات الجماهير المتجهة إلى هذه الملاعب”.

وأوضح قرنفل، في تصريح لهسبريس، أن “الحديث عن هذه الظاهرة ليس جديدا، وقد تم التطرق إليه كثيرا في مناسبات سابقة”، مشيرا إلى أن”الأشخاص الذين يشاركون في أعمال الشغب لا يمكن اعتبارهم جمهورا رياضيا حقيقيا، إذ إنهم في الغالب ينتمون إلى فئة عمرية تتراوح بين 14 و19 سنة، ولا يدفعهم إلى العنف عشقُ الرياضة أو الغيرة على الفريق الذي يشجعونه بقدر ما تحركهم رغبة في التعبير عن ذواتهم من خلال سلوك عنيف”.

وأبرز الأستاذ الجامعي أن “الإحباط النفسي والمشاكل الاجتماعية والفقر قد تكون من العوامل التي تساهم في بروز هذه الظاهرة؛ لكنها ليست وحدها المسؤولة عن هذا السلوك العنيف”، منبها إلى أن “هؤلاء الأفراد يسعون، بشكل أو بآخر، إلى التعبير عن ذواتهم بطريقة تسيء إليهم أولا، ثم تسيء إلى بلدهم، وإلى الرياضة ككل”.

وأكد المتحدث ذاته أن “عددا من الدول الأوروبية نجحت نسبيا في محاربة الشغب المرتبط بالملاعب؛ كالتجربة الإنجليزية في تنظيم مباريات كرة القدم، التي يمكن للمغرب الاستفادة منها، رغم اختلاف السياقات، لا سيما فيما يتعلق بطريقة بيع التذاكر وتنظيم دخول الجماهير إلى الملاعب”.

وختم حسن قرنفل توضيحاته بالقول: “الأهم هو ألا نستسلم لهذا الواقع؛ بل يجب تجريب كل الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة، مع ضرورة متابعة ومحاكمة المتورطين في هذه الأفعال قانونيا، بالتوازي مع التفكير في حلول تربوية واجتماعية تحصن هؤلاء الشباب وتمنعهم من الانزلاق المستمر نحو العنف”.

تفريغ بالعنف

ندى الفضل، أخصائية نفسية إكلينيكية، قالت إن “المحفزات النفسية والاجتماعية تعد من بين العوامل الأساسية التي تدفع الجماهير إلى العنف”، مضيفة أن “الاندماج في الجماعة أو ما يُعرف بسلوك القطيع يجعل الفرد أقل شعورا بالمسؤولية الفردية عندما يكون ضمن مجموعة كبيرة، مما يجعله أكثر عرضة للتصرف بعدوانية دون تفكير في العواقب. كما أن الجماهير قد تستغل الأحداث الرياضية كوسيلة للتفريغ عن مشاعر الغضب أو الإحباط المتراكمة بسبب مشاكل شخصية أو اجتماعية”.

وأضافت الفضل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الشعور بالهوية والانتماء يشكل عاملا محوريا، إذ إن الانتماء القوي إلى نادٍ رياضي أو جماعة معينة قد يدفع البعض إلى الدفاع عنها بعنف. كما أن الشعور بالإقصاء أو الظلم الاجتماعي يؤدي في أحيان كثيرة إلى تعبير الفئات المهمشة عن رفضها للأوضاع السائدة من خلال العنف”، مشيرة إلى “عدم إغفال دور التحريض الإعلامي أو الخطاب المتطرف، إذ تساهم بعض وسائل الإعلام أو الجماعات في زرع أفكار عدوانية أو في بناء صورة ‘العدو’ في أذهان الجماهير”.

وفيما يتعلق بفعالية المقاربة الزجرية، أكدت الأخصائية النفسية الإكلينيكية أنها “مهمة، لكنها تظل غير كافية لمحاربة ظاهرة العنف الجماهيري، لأنها تعالج النتائج دون معالجة الأسباب. ولذلك، من الضروري اعتماد مقاربة شمولية متعددة الأبعاد، تشمل التربية والتحسيس، من خلال ترسيخ قيم التسامح والحوار والاحترام منذ الصغر في المؤسسات التعليمية وفي الإعلام”.

وشددت المتحدثة ذاتها على ضرورة “تفعيل دور الوساطة الاجتماعية عبر إشراك فاعلين محليين، مثل الجمعيات وقادة الرأي والمشجعين المعتدلين، في التوعية ومراقبة سلوك الجماهير”، منبهة إلى أن “تحقيق العدالة الاجتماعية عبر معالجة أسباب التهميش والفقر والبطالة يعتبر عنصرا جوهريا، بما أن هذه الأسباب قد تدفع البعض إلى العنف كوسيلة تعبير”.

وختمت ندى الفضل توضيحاتها بالإشارة إلى أن “تنظيم الفضاءات العمومية يُعد أمرا ضروريا، لضمان توفر شروط آمنة ومريحة في الملاعب والأماكن العامة للحد من التوتر والاحتكاكات؛ فيما تقع على عاتق الأندية واللاعبين أيضا المسؤولية في تهذيب سلوك المشجعين من خلال تقديم القدوة والتحفيز الإيجابي، إلى جانب توفير فضاءات وملاعب تتيح للأشخاص إمكانية التنفيس عن الضغط النفسي والقلق الذي يعانون منه”.

مناظرات التشجيع

وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الداخلية، خلال شهر أبريل المنصرم، سلسلة من المناظرات الجهوية حول التشجيع الرياضي، في خضم التحضيرات التي يخوضها المغرب لتنظيم تظاهرات رياضية كبرى؛ أبرزها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030. وقد جاءت هذه المبادرة بهدف إرساء رؤية جديدة للتشجيع الرياضي كمكون أساسي في المنظومة الرياضية المغربية.

وتهدف هذه المناظرات الجهوية إلى “تعزيز ثقافة التشجيع الحضاري والمسؤول، ومحاربة مظاهر الشغب والتعصب التي تشوب أحيانا الملاعب، وإعداد ميثاق وطني للتشجيع يحدد حقوق وواجبات الجماهير ويؤطر علاقتها بالمؤسسات الرياضية، فضلا عن تأهيل الفضاءات الرياضية لتكون بيئة آمنة وجاذبة لكل الفئات”.

وشملت المناظرات عددا من الجهات؛ من بينها فاس التي احتضنت أول اللقاءات وركزت على “تأهيل الفضاءات وتعزيز الشراكة مع الجماهير”. وفي وجدة، دارت النقاشات حول “دور المشجعين في دعم الريادة الكروية للمغرب”. أما الدار البيضاء، فسلطت الضوء على “البعد الثقافي والاقتصادي للتشجيع”؛ بينما تناولت مناظرة أكادير “تقنين التشجيع وتكريس القيم الوطنية”.

وخلصت هذه اللقاءات إلى مجموعة من التوصيات؛ أبرزها “إعداد ميثاق وطني يؤطر التشجيع الرياضي، والعمل على تحويل هذا التشجيع إلى قوة ناعمة تساهم في تعزيز صورة المغرب دوليا، وتدعم السياحة والاقتصاد الوطني، إلى جانب تعزيز قيم الانضباط والمواطنة داخل الفضاءات الرياضية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا