احتضنت العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، أمس الجمعة، أشغال “المناظرة الجهوية للتشجيع الرياضي”، التي نظمتها ولاية جهة الدار البيضاء – سطات، بمشاركة خبراء ومختصين وأطر أمنية وقضائية، إلى جانب فاعلين رياضيين، بهدف مناقشة دور الجمهور في إنجاح التظاهرات الرياضية الكبرى التي ستحتضنها المملكة، وفي مقدمتها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030.
ناقشت الورشة الأولى موضوع “دور المشجع في تكريس ريادة كرة القدم الوطنية”، من خلال ثلاث مداخلات علمية ركزت على ضرورة التأطير والتحسيس بخلق تشجيع إيجابي ومسؤول.
أمينة عزمي، الخبيرة في التسيير الرياضي، شددت على أن كرة القدم لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت ظاهرة مجتمعية وثقافية واقتصادية، مضيفة أن بعض الملاعب تحولت إلى متاحف حقيقية بفعل ارتباطها بالجماهير، التي اعتبرتها “ملح المباريات”. وأكدت أن المشجع، بطريقة تشجيعه، يمكن أن يتحول إلى سفير للوطن يسهم في تعزيز جاذبية الرياضة الوطنية والسياحة الرياضية.
في السياق ذاته، أوضح عبد الرحيم بورقية، أستاذ سوسيولوجيا الرياضة، أن الجمهور المغربي يتنوع بين فئات متعلمة وأخرى تفتقر إلى الوعي، مشيراً إلى أن تهييء هذه الفئة يتطلب مجهوداً جماعياً. أما الدكتور عبد الرحيم غريب، فتناول “العرض الرياضي في خدمة التنمية”، مشدداً على ضرورة إشراك المواطن في مسار التنمية من خلال تغيير العقليات وتعزيز الحس الوطني الجماعي.
سلطت الورشة الثانية الضوء على الشقين القانوني والأمني، من خلال خمس مداخلات توزعت بين مناقشة الشغب الرياضي وتنزيل المقاربة الأمنية.
عبد السلام بوهوش، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، حذر من تبعات الشغب على مستقبل الشباب، خاصة حين يتعلق الأمر بطلب الشواهد أو السفر للدراسة. بينما قدم جمال لحرور، نائب وكيل الملك بالمحكمة الزجرية، قراءة في قانون 09-09، مبرزاً أنه ينص على عقوبات زجرية تصل إلى منع دائم من دخول الملاعب.
على المستوى الأمني، دعا نجيب العزوزي، المسؤول الأمني بولاية أمن أنفا، إلى تحويل المدرجات إلى فضاءات للتعبير الثقافي واللوحات الفنية، مشدداً على أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية. وتحدث يونس الحروني، عميد الشرطة الممتاز، عن دور الخلايا الأمنية في مواكبة الجمهور، وأهمية التوعية القانونية لتحقيق بيئة آمنة.
من جهته، دعا نوفل الشكراوي، رئيس قسم الشؤون الداخلية، إلى تنسيق وتكامل الأدوار بين كل الأطراف: السلطات، الأندية، الإعلام، والجمهور، مؤكداً أن “نجاح الأحداث الكبرى يبدأ من وعي المشجع”.
عكست المناظرة وعيا متزايدا بضرورة تحويل الجمهور من متفرج سلبي إلى فاعل مسؤول، في أفق إنجاح التظاهرات الدولية المنتظرة. فبقدر ما تحرص الدولة على الجوانب الأمنية والتنظيمية، تبقى عقلية المشجع وسلوكياته حجر الزاوية في تسويق صورة حضارية عن المغرب في المحافل الرياضية.
واختتمت المناظرة بتوصيات لبناء ملامح ميثاق للتشجيع الرياضي، حيث خلصت إلى تعزيز الروابط بين الجمهور الرياضي والأندية والسلطات العمومية وكافة المتداخلين، وترسيخ سياسة القرب مع المشجع باعتباره شريكا في استتباب الأمن المشترك، مع إشراك المجتمع المدني للقيام بدور أساسي لمساندة الفرق والمنتخبات، مع إدماج البعد السياحي في الاستراتيجيات الرياضية الوطنية، إلى جانب تجنب استعمال الإعلام بعض المصطلحات السلبية، وكذا خلق أقطاب للعلاقات مع المشجعين والقيام بحملات تحسيسية في هذا الإطار.
كما أكدت أيضا على تكريس مكانة الأسرة والمدرسة والجمعيات المدنية بدورها للتربية والتكوين والتحسيس، وكذا تسطير خارطة طريق تحدد حقوق ومسؤوليات جميع الأطراف المعنية بمنظومة التشجيع ببلادنا، مع استغلال دور الشباب للتدريس والتكوين والتحسيس على عمق المعنى القيمي للتشجيع الرياضي، بالإضافة إلى إسناد وتدبير ملاعب القرب لفائدة القطاع الوصي والاهتمام بكل الرياضات في عملية التشجيع الرياضي.
وشددت التوصيات على أهمية دور الأسرة وخاصة الأم في تأطير وتحسيس الناشئة في مجال التشجيع وكذا المساجد، مع دعوة الأندية إلى الانخراط في التشجيع الرياضي النظيف؛ إلى جانب الدعوة إلى إعادة مثل هذا النوع من المناظرات بشكل سنوي، وإدراج برامج حول التشجيع الرياضي الإيجابي والروح الرياضية بالمناهج الدراسية؛ مع دعوة وسائل الإعلام إلى لعب دورها في التحسيس على الطرق الفضلى في التشجيع الرياضي.
كما تم التأكيد في هذه التوصيات من الجانب الأمني، بتوعية الشباب بعواقب الأفعال العنيفة، وتعزيز الرقابة الأمنية في الملاعب لتجنب العنف، وأيضا توفير أنشطة رياضية تشجع على التنافس بدون عنف بشعار “الشغف بدون شغب”، وأيضا إنشاء منصات خاصة بالإحصائيات المتعلقة بتدبير التظاهرات الرياضية والترتيبات الأمنية واللوجستية مع تحليلها للخروج باستنتاجات تساعد على تجويد منظومة التظاهرات الرياضية.
كما تم الخروج بتوصيات تهم تجهيز الملاعب بكاميرات المراقبة لضبط المخالفين وبيانات معلوماتية للمشاغبين، وتعزيز دور الإعلام بمختلف أشكاله في تكوين ثقافة التشجيع الرياضي.