أثار الموقف الصارم الذي اتخذه الاتحاد الأفريقي مؤخرا ضد جمهورية أرض الصومال دفاعا عن سيادة الدول ووحدتها تساؤلات حقوقية وسياسية عميقة حول شرعية عضوية جبهة البوليساريو التي منحت لها في ثمانينيات القرن الماضي، واعتبر مراقبون أن قبول هذا الكيان آنذاك مثل خطيئة قانونية وخرقا صريحا لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية لكونه كيانا يفتقر لإقليم مستقل وسيادة فعلية على الأرض.
وأوضحت التحولات الجيوسياسية الراهنة حجم المأزق الذي تعيشه المنظمة وازدواجية معاييرها في منح العضوية، فبينما ترفض عضوية “أرض الصومال” تمنحها لكيان لا يتوفر على مقومات الدولة، وهو ما دفع للمطالبة بامتلاك الشجاعة السياسية لتصحيح هذا الخطأ التاريخي وسحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية انسجاما مع مبدأ واقعية الدولة وحماية لمصداقية المنظمة القارية.
وفي هذا السياق، كشف رئيس منظمة أفريكا ووتش عبد الوهاب الكاين أن قرار الاتحاد الافريقي الصادر الأسبوع الماضي بشأن عدم الاعتراف بجمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد وضع مجهرا على حدة التوتر القائم بين مبدأ تقرير المصير ومبدأ السلامة الإقليمية للبلدان ووحدتها الترابية، حيث تبرز في هذا السياق واحدة من أكثر المعضلات استدامة وتعقيدا في القانون الدولي والعلاقات الدولية نتيجة التجاذب بين هذين المبدئين اللذين يكرسهما القانون الدولي بشكل متوازن لكنهما يعملان في اتجاهات متعاكسة عند التطبيق في سياقات بعينها.
وأوضح الكاين في تصريح لجريدة “العمق” أن ميل بعض مكونات المجتمع الدولي إلى محاولة فرض مبدأ تقرير المصير في أوضاع لا تشمل وجود حالة احتلال أو استعمار ناتج عن حيازة أرض أو التحكم في شعب يمثل إشكالية قانونية، إذ تسعى تلك الأطراف إلى تصوير الأمر كتطلعات وحق للشعوب في تحديد وضعها السياسي والسعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بينما تسارع في الوقت ذاته لدعم تطبيق مبدأ سلامة الأراضي في حالات أخرى مشابهة لما ظلت تقدمه سابقا كحالات استعمار.
وأكد المصدر أن تقرير المصير برز كمبدأ سياسي قوي من خلال حركة تصفية الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية متضمنا اعترافا صريحا في ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة 55، وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960 والعهود الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، وفي المقابل يحمي مبدأ سلامة الأراضي سيادة الدول القائمة وسيطرتها على أقاليمها ويعمل كحجر زاوية للاستقرار والنظام الدوليين استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستعمال القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة.
وأشار رئيس أفريكا ووتش إلى إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية بين الدول للعام 1970 الذي ينص على أن كل دولة عليها واجب الامتناع عن أي عمل يرمي إلى التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية لأية دولة أخرى، مبرزا أن جنوح الاتحاد الافريقي كتكتل إقليمي إلى محاولات متكررة لتكييف نزاع الصحراء المغربية كنزاع دولي والعمل على تقديمه لآليات الأمم المتحدة كقضية إنهاء استعمار يضرب في عمق احترام سيادة المملكة المغربية على أراضيها الجنوبية.
وأضاف الكاين أن الاتحاد الافريقي كان مطالبا بالانخراط في البحث عن حل بحياد عوض الهرولة بالاعتراف بتنظيم البوليساريو كعضو بالاتحاد دونما تدقيق في توفره على مقومات دولة من عدمه، وهو ما يوضح بشكل جلي ارتباك الاتحاد في تطبيق قواعد القانون الدولي ذات الصلة بفض النزاعات بطرق سلمية، حيث ينتاب مواقف هذا التكتل الإقليمي غموض شديد يمتد بين المطالبات بتطبيق تقرير المصير وبين حماية الوحدة الترابية للبلدان بشكل أكثر حدة خصوصا في حالة مطالبة تنظيم البوليساريو بالانفصال بدعم جزائري سخي.
وتابع رئيس المنظمة مبينا أن الأمر لا يتجاوز سعي مجموعة محدودة من مكونات اجتماعية غالبية مستقرة بالجنوب المغربي داخل المملكة المغربية كدولة قائمة إلى ممارسة تقرير المصير الخارجي من خلال الانفصال، مما جعلنا بصدد مواجهة مكشوفة بين الحق المزعوم للبوليساريو في تحديد مستقبلها السياسي وبين حق الدولة المغربية في الحفاظ على سلامة أراضيها، وهي مواجهة تغذيها أطراف أفريقية كانت تدعم هذا التنظيم في السابق.
وذكر التقرير أن المجتمع الدولي أذعن إلى حد كبير لسلامة أراضي إسبانيا معتبرا مسألة استفتاء إقليم كتالونيا شأنا دستوريا داخليا كما رفض أعضاء الاتحاد الافريقي إعلان أرض الصومال دولة مستقلة، بينما ظلت دول كجنوب أفريقيا وناميبيا وموزمبيق تدعم مطالب انفصالية لتنظيم عسكري يسعى لتقسيم الأقاليم الجنوبية المغربية، وهو ما يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول تطبيق تقرير المصير في سياقات مشابهة لأوضاع سبق تسويتها عبر الحفاظ على السلامة الإقليمية.
واختتم رئيس منظمة أفريكا ووتش بالتأكيد على ضرورة تفكيك وتصويب موقف القانون الدولي الملتبس عبر اعتبار عدم وجود حق عام في الانفصال بموجب القانون الدولي، مشيرا إلى أن ممارسات الدول تؤكد أن المجتمع الدولي يعطي الأولوية عموما لسلامة الأراضي وحماية الوحدة الترابية للدول باستثناء حالات تصفية الاستعمار الحقيقية التي سعت الجزائر لإلصاقها بنزاع الصحراء المغربية المفتعل لتقويض السيادة المغربية.
المصدر:
العمق