آخر الأخبار

أمطار وثلوج ما بعد سنوات الجفاف تنعش آمال القطاع الفلاحي في المغرب

شارك

بعد سلسلة من سنوات الإجهاد المائي التي حبست أنفاس الفلاحين وأربكت حسابات الاقتصاد، يشهد المغرب، حاليا، تحولا جويا استثنائيا لم يعهده خلال السنوات السبع (على الأقل)؛ فلم تكن التساقطات المطرية والثلجية الأخيرة مجرد “زخات عابرة”، بل جاءت امتدادا زمنيا شاملا مساحات جغرافية شاسعة من ربوع المملكة، لا سيما منها البورية.

ما يشبه “غيثا استثنائيا” بصبيب متواصل، تداخلت فيه الثلوج بقمم الأطلس مع الأمطار المنتظمة في سهول ومنبسطات البلاد، أعلن عن “كسر صريح” لحلقة الجفاف، فاتحا الباب أمام آفاق تفاؤلية تعيد الاعتبار للمجالات الفلاحية التي ظلت تترقب السماء بوَجلِ وتؤسس لمرحلة جديدة من الوفرة المائية التي ستلقي بظلالها على كافة مفاصل الدورة الإنتاجية؛ زراعيا وحيوانيا ونباتيا.

أجمع عدد من مسؤولي ومهنيي القطاع الفلاحي، ممن استقت هسبريس تصريحاتهم المتطابقة، على أن “الانتعاش المائي المستدام لا يقتصر أثره على الجانب النفسي والاجتماعي الظرفي فحسب؛ بل يمثل رافعة استراتيجية لتأمين نمو الزراعات الخريفية والشتوية وتجويد مسارها النباتي في ظروف مثالية، فضلا عن توفير مراعٍ للكلأ.

فالتساقطات الممتدة تضمن رطوبة كافية للتربة تعزز من “المردودية الكمية” للمحاصيل وتساهم في تحسين خصائصها النوعية، توازيا مع الانتعاش القوي لمخزونات السدود والمياه الجوفية، في مشهد يمنح الفلاحين هامشا واسعا من الأمان لبرمجة عمليات الري التكميلي؛ ما يبشر بموسم زراعي متكامل الأركان، يعيد للقطاع الفلاحي حيويته ويشكل قاطرة أساسية لنمو الاقتصاد الوطني.

المساحات والمردودية

محمد مزور، المدير الإقليمي للفلاحة والتنمية القروية بفاس (جهة فاس-مكناس)، أكد أن “الانتعاش المسجل لم يتوقف عند حدود الارتواء السطحي؛ بل تحول إلى احتياطي استراتيجي تجسد في انتعاش حقينة السدود التي بلغت نسبا قياسية بجهة فاس- مكناس وصلت إلى 42 في المائة إجمالا، مع بلوغ ثلاثة سدود كبرى (بوهودة، علال الفاسي، و’منع سبو’) طاقتها الاستيعابية القصوى”.

وأضاف مزور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه تم “تجاوز الأهداف”؛ فمثلا “بلغت المساحة المحروثة بإقليم مولاي يعقوب وعمالة فاس نسبة 137 في المائة من المساحة المبرمجة؛ ما يعكس حماس الفلاحين وعودة الثقة في الموسم”.

وبشأن تنوع المحاصيل، أبرز المسؤول الفلاحي بواحدةٍ من أكثر الجهات المغربية غنى بتنوع الزراعات وسلاسل الإنتاج الحيواني “وصول المساحة المزروعة بالحبوب والقطاني (كـ الفول والجلبانة والعدس) إلى 82 في المائة، مستفيدة من توقيت الأمطار الذي تزامن تماما مع مرحلة الإنبات؛ وهو عامل حاسم لضمان جودة المحصول والمردودية العالية”.

واستحضر المصرح لهسبريس بأن الثلوج مع كثافة سمكها وانتظام تساقطها مازالت توصف بكونها “خزانا مائيا مؤجلا”.

وتابع محمد مزور مفيدا بأن “المناطق المستفيدة شملت مرتفعات إفران وبولمان وجبل بويبلان… بما يحيل على دور استراتيجي: تشكل هذه الثلوج مخزونا مائيا إضافيا للجهة، حيث ستساهم بعد ذوبانها في استدامة جريان الوديان وتغذية الفرشة المائية؛ ما يوفر أيام ري إضافية للأشجار المثمرة والخضروات”.

وبالانتقال إلى المياه الجوفية، لوحظ، وفق المدير الإقليمي للفلاحة بفاس، “ارتفاع ملموس في مستوى مياه الآبار بالضيعات الفلاحية؛ ما يخفف الضغط على الموارد المائية المستنزفة سابقا”.

كما أشار المتحدث عينه إلى تحسن تدريجي للإنتاج الحيواني، إذ “بدأت المراعي تكتسي حلة خضراء؛ ما يوفر “كلأ” طبيعيا للأغنام والأبقار، و”يقلل من تكاليف الأعلاف التي أثقلت كاهل الكسابة لسنوات”.

وختم محمد مزور بأن “الخضروات الربيعية” تجعلها في موقع المستفيد الأكبر، حيث “شجعت هذه الظروف على الانطلاق المبكر لزراعة البصل والبطاطس؛ ما يبشر -إجمالا– بوفرة في الأسواق وتوازن في الأسعار”، كاشفا أن “التفاؤل بمردودية جيدة لهذا الموسم هو الكلمة الجامعة بين المهنيين والمسؤولين، شريطة استمرار التوقعات المطرية الإيجابية”.

الدورة الزراعية

التقط خيوط التقاطع بين استمرارية التساقطات وبين “الانتظام الزمني” المهندس الزراعي محمد بنعطا، الذي أكد أن ذلك “يضمَن أن المحاصيل لن تنمو “كميا” فقط؛ بل ستكون ذات “جودة عالية”.

وزاد بنعطا، ضمن تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، معلقا: “توافر المياه الجوفية والسطحية يمنع تعرض النبات للإجهاد المائي؛ ما يعني حبات حبوب ممتلئة، وثمار أشجار ذات حجم ومذاق جيد، وغطاء نباتيا متنوعا في المراعي”.

وأبرز المهندس الزراعي سالف الذكر أن هذه المرحلة تمثل “منفعة عامة” كبرى للمنظومة البيئية والفلاحية بالمغرب.

واسترسل بنعطا شارحا: “فبعد مرور سبع سنوات جافة متوالية أنهكت الفلاحين، تأتي هذه الأمطار المنتظمة في وقتها المناسب تماما لتحدث فارقا جوهريا”.

وتابع المتحدث عينه، الذي يشغل مهمة أيضا منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، أن “هذه التساقطات ليست مجرد ري سطحي، وإنما يمكن عدها عملية تجدد نسبي وتدريجي للمخزون الاستراتيجي للمياه، مع التركيز بشكل خاص على “المياه الجوفية” التي استنزفتها سنوات القحط.

ورصد المهندس الزراعي ذاته الانعكاسات في “ملاءمة مثالية للحبوب والأشجار”، لافتا إلى أن هذه الأمطار تعتبر “مناسبة جدا لنمو الحبوب والأشجار المثمرة، حيث تضمن الرطوبة اللازمة في فترات النمو الحساسة خاصة بالتزامن مع فترة الليالي”. أما ثاني الانعكاسات، فيتمثل في “إحياء المراعي والقطاني”، وفق المصرح عينه.

وشدد منسق التجمع البيئي لشمال المغرب على أن “قطاعَي القطاني والزراعات الشتوية والمراعي هما المستفيد الأكبر؛ ما يبشر بوفرة الكلأ الطبيعي وتراجع تكاليف الإنتاج الحيواني”.

وختم محمد بنعطا بأن “الأنظار تتجه، الآن، صوب شهريْ مارس وأبريل؛ حيث ستكون هذه الفترة هي الاختبار الحقيقي لمدى استدامة هذا الانتعاش وتحويله إلى مردودية قياسية ومحاصيل استثنائية في نهاية الموسم”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا