عبرت فاعلات حقوقيات بالمغرب عن “قلقهن البالغ” إزاء المعطيات الواردة في تقرير “تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة برسم سنة 2024″، بشأن عدد طلبات الإذن بزواج القاصر الرائجة هذه السنة، مشددات على أن “الوضع يستدعي تحركاً عاجلاً لإيجاد حلول قانونية وإجرائية تحمي حقوق الفتيات وتضمن استمرار تعليمهن”.
وأوضحت المعطيات ذاتها أن العدد بلغ ما مجموعه 16.960 طلبًا، مع تسجيل ارتفاع نسبي مقارنة بعدد الطلبات المقدمة سنة 2023 بنحو 11 بالمائة، أي بزيادة 1641 طلبًا. ولذلك دعت المناضلات النسائيات إلى “الإسراع في إخراج مدونة الأسرة الجديدة، على أن تتضمن نصوصًا واضحة تحد من تزويج الطفلات، وتفرض عقوبات رادعة على كل من يحاول التحايل على القانون”.
نجاة إخيش، رئيسة مؤسسة “يطو” لإيواء وإعادة تأهيل نساء ضحايا العنف، قالت إن “البيانات الرسمية الجديدة تعيد إلى الواجهة مطلبنا الأساسي المتعلق بالمنع المطلق لتزويج الطفلات والأطفال”، مشددة على أن “هذا المبدأ جوهري ويجب أن يكون حاضراً ضمن مدونة الأسرة المقبلة، إلى جانب سن عقوبات زجرية ضد كل من يتزوج أو يزوج أو يسمح بتزويج فتاة دون السن القانوني”.
وأوضحت إخيش، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الظاهرة مازالت موجودة بسبب تعدد أسبابها، من بينها العقليات التي ترى الطفلة مجرد أداة للمتعة الجنسية، واعتقاد بعض الأشخاص أن المرأة إذا تجاوزت سن الثلاثين تصبح غير مؤهلة لتلبية رغبات الرجل، إضافة إلى النظر إلى المرأة كوسيلة لضمان استمرارية النسل”.
كما أشارت المتحدثة إلى “عوامل الفقر والعزلة في المناطق البعيدة، كالقرى والمداشر التي تفتقر بعضها إلى المدارس ووسائل النقل”، موردة: “قد يكون الدوار بعيدًا عن الإعدادية بمسافة 25 كيلومترًا، ولا توجد وسيلة آمنة للنقل، فتضطر بعض الأسر إلى تزويج الفتيات بدل إرسالهن إلى المدرسة”.
ولاحظت الفاعلة الحقوقية ذاتها أن “مشكلة تزويج الأطفال تغيرت مقارنة بالسائد سابقا، إذ كانت هناك طفلات متزوجات في إملشيل في سن 7 أو 8 أو 9 سنوات، لكن الظاهرة مازالت موجودة بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و16 عاماً”، لافتة إلى أن “الهدر المدرسي سبب محوري أيضاً، لكونه مرتفعاً جداً بين الفتيات بسبب الفقر والعزلة والتهميش، وانعدام المؤسسات التعليمية”.
واستحضرت المتحدثة قرب المسار التشريعي لمدونة الأسرة، وأوضحت أن “مسألة تزويج الأطفال تحتاج إلى قانون صارم وإرادة سياسية”، محذرة من أن “غياب نص حازم سيستمر في السماح للعقليات الذكورية، والتطرف الديني، وغياب البنيات التحتية، بتبرير تزويج الطفلات والأطفال”، مؤكدة أنه “لا يوجد أي دليل اجتماعي أو صحي يبرر زواج الفتيات دون سن 18”.
خديجة الرباح، عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، قالت إن “المعطيات التي كشفت عنها النيابة العامة تمثل فرصة لإعادة المطالبة بوضع مدونة أسرة تمنع التمييز وتحد من اغتصاب الطفولة باسم القانون”، مشددة على أن “الفتيات في سن صغيرة لا ينبغي أن يبقين خارج أسوار المؤسسات التعليمية”.
وأكدت الرباح، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة تفتقر إلى منظور إستراتيجي ورؤية شاملة للقضاء على التمييز والعنف وتحقيق المساواة”، مشيرة إلى أنه “لو كان هناك تصور واضح ومتوازن لكان القضاء على التمييز في جميع القوانين، بما فيها قانون الأسرة، أمراً واقعًا”، وتابعت: “استثناءات تزويج الطفلات تشكل خطراً كبيراً، لأنها تشبه تواطؤًا يشرعنه القانون”.
وتساءلت المتحدثة ذاتها: “كيف يُتوقع أن نحرص على مستقبل طفلة كل عالمها هو المدرسة ثم ندخلها في مسؤوليات أسرية؟”، لافتة إلى أن “هناك فتيات يُسمح لهن بالزواج في سن 14 أو 15 رغم أنها مرحلة للعب واكتشاف حياة المراهقة وليس لتحمل المسؤولية”، وموضحة أن “إحدى الفتيات في إملشيل لم تكمل 18 عامًا بعد، غير أنها تزوجت ثلاث مرات وتطلقت، فهل يمكن اعتبارها أما أم طفلة؟”.
وشددت الحقوقية والفاعلة النسائية على أن “المدخل الأساسي لحماية الطفلات هو تحديد الحد الأدنى لسن الزواج في 18 سنة مكتملة”، معتبرة أن هذا الأمر “غير قابل للنقاش”، ومستندة إلى “الدراسات العلمية التي تشير إلى أن النضج النفسي يكتمل في سن 25، والنضج العقلي في سن 27″، وتساءلت: “كيف يمكن تشكيل أسرة دون اكتمال النضج النفسي والعقلي؟”.
وأوضحت عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن “محاربة الأمية والهدر المدرسي تقتضي عدم إخراج الفتيات من المدرسة قبل الأوان”، خالصة إلى أن “التحاقهن بالتعليم هو الطريق لحماية حقوقهن ومنع تحمّل المسؤوليات الأسرية قبل الاستعداد الكامل لها”.
المصدر:
هسبريس