كشفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عزمها إنهاء مهام السفيرة الأمريكية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، في إطار تغييرات دبلوماسية واسعة شملت نحو 30 سفيرا ورئيس بعثة، كانت القارة الإفريقية أبرز المتأثرين بها، وفق ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”.
وتندرج هذه الخطوة ضمن إعادة هيكلة التمثيل الدبلوماسي الأمريكي المنسجمة مع رؤية “أمريكا أولا”، وتوجه الإدارة نحو الدفع بتمثيل دبلوماسي أكثر فاعلية في العواصم التي تشهد ملفات إقليمية معقدة، وفي مقدمتها الجزائر باعتبارها طرفا مباشرا في حل هذه النزاعات ومحورا رئيسيا في توازنات منطقة المغرب العربي.
ويكتسب الملف الجزائري أولوية خاصة في هذا الجانب، إذ أعلنت واشنطن نيتها لعب دور الوساطة بين الجزائر والمغرب لكسر الجمود وفتح قنوات الحوار بين البلدين. كما تصر الإدارة الأمريكية على تعيين دبلوماسي جديد في العاصمة الجزائر، قادر على تنفيذ هذا الدور، ويضمن تسهيل مهمة الوساطة وتحقيق التوازن في سياساتها بعد موقفها الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، قال إن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب تكثف استعداداتها لإحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية، بهدف إعادة توجيه تدخلاتها الدولية بما يتماشى مع أولوياتها الإستراتيجية، سواء في حماية مصالح الولايات المتحدة أو خلق مناطق نفوذ جديدة، أو إدارة النزاعات الدولية والحد من التوترات الإقليمية، وكذلك مواجهة التحولات الكبرى في صراعاتها مع الصين وروسيا وتحالفات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ودول “البريكس”.
وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تحقيق هذه الإستراتيجيات يتطلب إعادة تشكيل السلك الدبلوماسي الأمريكي بالخارج لضمان توظيف مسؤولين ذوي كفاءة وقدرة على تنفيذ أولويات الإدارة، بما يجعل شعار “أميركا أولا” حقيقة واقعة وليس مجرد شعار انتخابي، ويضمن أن تكون السياسة الخارجية أكثر انسجاما مع رؤية الرئيس وتنفيذها على الأرض بشكل ملموس في مختلف الملفات الحساسة.
وتابع المتحدث ذاته: “إن عمليات الإعفاء تشمل نحو 30 سفيرا ورئيس بعثة في 29 دولة على الأقل، مع تركيز خاص على إفريقيا، حيث تم استدعاء سفراء من 13 دولة، بما في ذلك الجزائر، وهو ما يعكس الأهمية الإستراتيجية للقارة في الحسابات الأمريكية، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، وفي سياق مواجهة النفوذ المتنامي لدول أخرى في المنطقة”.
وأورد المصرح لهسبريس أن إنهاء مهام السفيرة الأمريكية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، يستهدف تعزيز قدرة الولايات المتحدة على لعب دور الوساطة بين الجزائر والمغرب، وضبط التأثير الجزائري في الديناميات المغاربية، بشكل يتيح فتح قنوات للحوار وتحقيق استقرار إقليمي، مع مراعاة الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة ودعم الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي كإطار عملي وواقعي لإنهاء النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
واعتبر المحلل السياسي نفسه أن هذه الخطوة جزء من الجهود الأمريكية لتعيين سفير جديد في الجزائر يتمتع بالخبرة والقدرة التفاوضية، بحيث يكون قادرا على تنفيذ مهمة الوساطة بفعالية، وتحقيق التوازن بين دعم السيادة المغربية ومشاركة الجزائر في مسار الحل السياسي، مع المساهمة في تعزيز الاستقرار في شمال إفريقيا والساحل والقارة الإفريقية ككل.
وأكد نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية أن توقيت هذه التغييرات يعكس رغبة الإدارة الأمريكية في إظهار قوتها على المستوى الدولي وضمان فعالية تدخلاتها في القضايا الإقليمية والدولية، مع مراعاة استقرار أسواق الطاقة المتوسطية، وتعزيز الشراكات الأمنية الحاسمة في المنطقة، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة.
وسجل الكاين أن هذه التغييرات الدبلوماسية تمثل إستراتيجية متكاملة لتعزيز فاعلية التمثيل الدبلوماسي الأمريكي، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني والأوروبي في إفريقيا، وضمان استمرارية الشراكات الأمريكية، مع الحفاظ على القدرة على إدارة النزاعات الإقليمية المعقدة، ما يسهم في تحقيق مصالح واشنطن الإستراتيجية بشكل مباشر وفاعل.
وفي هذا السياق يرى المتحدث أن الإدارة الأمريكية تراهن على أن يكون السفير القادم بالجزائر شخصية دبلوماسية ذات خبرة تفاوضية عالية، قادرة على تنفيذ الرؤية الأمريكية للمنطقة، ودعم جهود الوساطة بين الجزائر والمغرب، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، في ظل منافسة دولية على النفوذ والموارد، وقادرة على جعل التعاون الجزائري محوريا لضمان استقرار شمال إفريقيا والساحل وحل النزاع المغربي الجزائري، الذي مازال يؤثر على الأمن والتنمية في المنطقة والقارة.
ترى مينة لغزال، منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرعت في عملية إعادة هيكلة دبلوماسية شاملة تشمل نحو 30 دبلوماسيا محترفا في مناصب السفراء والمسؤولين الكبار، وأن السفيرة الأمريكية بالجزائر، إليزابيث مور أوبين، من بين المشمولين بهذه التغييرات التي من المقرر أن تنتهي في يناير 2026.
ونبهت لغزال، في تصريح لهسبريس، إلى أن التركيز على تغيير دبلوماسيي أمريكا في إفريقيا يعكس انعطافة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ شملت الاستدعاءات بعثات في 15 دولة، من بينها الجزائر ومصر وبوروندي والكاميرون والغابون وساحل العاج ومدغشقر وموريشيوس والنيجر ونيجيريا ورواندا، والسنغال والصومال وأوغندا، تليها دول آسيوية متأثرة، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من قرن في تاريخ السلك الدبلوماسي الأمريكي.
وأوضحت المتحدثة أن هذه التغييرات تهدف إلى إعادة ترتيب السياسة الأمريكية بما يتوافق مع توجهات الإدارة الحالية، على اعتبار أن الدبلوماسيين المعينين خلال ولاية بايدن لم يعودوا يتماهون مع متطلبات واشنطن لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وإحداث تأثير ملموس على الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة.
وزادت منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”: “رغم الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها السفيرة مور أوبين، ومسارها الدبلوماسي الطويل الذي شمل منصب نائبة رئيسة البعثة سابقا وسفيرة منذ فبراير 2022، إلا أن التغييرات تأتي لتلبية متطلبات السياسة الأمريكية الجديدة التي تركز على ضبط التحولات الإقليمية وضرورة تعزيز الاستقرار وحل الخلافات بين الجزائر والمغرب”.
وسجلت الفاعلة المدنية أن التغييرات الدبلوماسية في الجزائر تركز على ديناميكيات المنطقة الحساسة، خاصة قضية الصحراء المغربية، حيث أكدت الولايات المتحدة على اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما شكل مصدر توتر مع الحكومة الجزائرية، إذ تتطلب المرحلة الجديدة إدارة السياسة الخارجية وفق توجيهات البيت الأبيض وليس وفق تصور السفارة الأمريكية في الجزائر.
وذكرت لغزال أن السياسة الأمريكية الحالية تسعى إلى توجيه السلطات الجزائرية لبذل جهود مضاعفة لتحسين الاستقرار والأمن الإقليمي، وضمان استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب، وتعزيز التكامل الاقتصادي لشمال إفريقيا، مع ضرورة التوصل إلى حلول عملية للنزاعات الإقليمية العالقة، بما في ذلك العلاقات مع المغرب.
وأوردت المتحدثة أن إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي تهدف أيضا إلى دعم الوساطة الأمريكية بين الجزائر والمغرب، وتسهيل جهود الاستقرار الإقليمي، مع الحفاظ على الشراكات في مجالات الطاقة والاقتصاد والأمن، بحيث يكون التمثيل الدبلوماسي الأمريكي أكثر فعالية وملاءمة للأولويات الإستراتيجية للإدارة الحالية.
وأنهت مينة لغزال حديثها لهسبريس بتأكيدها أن هذه التحولات الدبلوماسية تجسد رغبة واشنطن في تعزيز حضورها الإستراتيجي في شمال إفريقيا والساحل، وضمان قدرة أمريكية فعالة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، مع إبراز الدور المركزي للجزائر في تحقيق استقرار المنطقة ودعم جهود مكافحة الإرهاب والتكامل الاقتصادي الإقليمي.
المصدر:
هسبريس