آخر الأخبار

بين قسوة الثلج و"تلاعبات التعويض".. ضحايا زلزال الحوز يواجهون شتاء ثالثا وسط خيام متهالكة وطرق مقطوعة

شارك

في قلب الشتاء القارس، وبين أمطار متواصلة وتساقطات ثلجية كثيفة، يواجه عدد من سكان إقليم الحوز فصلا جديدا من المعاناة، بعد أن تحولت الخيام المهترئة إلى ملاذهم الوحيد منذ فاجعة الزلزال، دون أن توفر لهم الحد الأدنى من الحماية من البرد والصقيع، رغم مرور أزيد من عامين على الكارثة.

ومع توالي النشرات الجوية الإنذارية التي تحذر من موجات برد قوية وتساقطات ثلجية، يجد المتضررون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع ظروف مناخية قاسية، في غياب بدائل حقيقية تقيهم قسوة الطقس، حيث لا يزال كثيرون مضطرين للعيش داخل خيام تتسرب إليها مياه الأمطار ولا تصمد أمام شدة البرد.

من داخل خيمته بدوار “تكندفين”، التابع لقيادة ثلاث نيعقوب، نقل محمد آيت محمد، أحد المتضررين من الزلزال، تفاصيل معاناته اليومية مع الصقيع والثلوج، في مكالمة هاتفية مع جريدة “العمق”.

وبصوت يختلط فيه الألم بالحسرة، استحضر فاجعة الزلزال قائلا: “فقدت منزلي، وفقدت زوجتي وطفلين.. لم نستسلم للموت انا وابني يوم الفاجعة، لكننا نعيش اليوم موتا بطيئا”.

وأكد المتحدث أنه لم يستفد إلى حدود اليوم من أي دعم، ولا يزال يتخذ من الخيمة مأوى له في ظروف قال انها “لا تليق حتى بالعيش داخل المنازل”، مشيرا إلى أن الخيمة لا تحمي من البرد ولا من تسرب المياه.

وانتقل محمد للحديث عن ابنه الناجي الوحيد بمرارة، موضحا أن الطفل ينام فوق أرض باردة، فيما تتسرب مياه الأمطار إلى داخل الخيمة مع كل تساقط، قبل أن تخونه الكلمات وتتكفل دموعه ببقية الحكاية.

كما أشار إلى جانب آخر من معاناة الساكنة، موضحا أن بعض الأسر حاولت، قبل ايام، الوصول إلى مساعدات وُضعت في مناطق بعيدة، غير أن الطرق المقطوعة بفعل الثلوج حالت دون تمكنهم من ذلك، ما زاد من تفاقم أوضاعهم.

ولا تختلف هذه الشهادة عن المعطيات التي قدمتها التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز، حيث عبر عبد الرحيم آيت القاضي، عضو التنسيقية، عن قلقه العميق إزاء استمرار هذه الأوضاع، مؤكدا في تصريح للجريدة إن المعاناة اليوم “أصبحت أشد مما كانت عليه في الأيام الأولى بعد الفاجعة”.

وقال في هذا السياق: “الألم اليوم أكبر من يوم الزلزال، فقدتُ الأمل في الحياة وأنا أشاهد أرامل وأيتاما ومسنين ما زالوا يعيشون في الخيام، والثلج يحيط بهم من كل جانب”.

خروقات وتفاوتات في توزيع التعويضات

وأوضح المتحدث أن “ما يقدم بلغة الأرقام بعيد كل البعد عن الواقع الذي نعيشه في الجبال”، مشيرا الى ما وصفه بغياب النزاهة في توزيع التعويضات.

وكشف آيت القاضي، عن “خروقات خطيرة” شابت تدبير ملف التعويضات بعدد من الدواوير المتضررة، من بينها دواوير انيرني وتنيرت ودوزرو وتزكي، التي تعيش، بحسب قوله، وضعا انسانيا صعبا في ظل محاصرتها بالثلوج وصعوبة الولوج إليها.

واتخذ المتحدث من دوار انيرني بمنطقة أمزميز مثالا، موضحا أن الدوار يضم حوالي 158 أسرة، ويصنف ضمن “دواوير التحويل” التي يمنع فيها إعادة البناء لكونها مهددة بالانهيار، خاصة في ظل معطيات جيولوجية مقلقة.

واضاف أن 48 أسرة استفادت من التعويض الكامل المحدد في 14 مليون سنتيم، مشيرا إلى أن عددا منهم “يُسجل ضمن المقربين من منتخبين ومسؤولين”.

في المقابل، أكد أن حوالي 84 أسرة استفادت من تعويض جزئي لا يتجاوز 8 ملايين سنتيم، رغم أن منازلها تقع داخل دوار مصنف ضمن التحويل، معتبرا ذلك “تناقضا مع تصنيفات مكاتب الدراسات”، متسائلا عن جدوى منح تعويضات جزئية في مناطق يمنع فيها البناء من الأساس، في حين تم إقصاء باقي الأسر كليا من أي دعم.

واعتبر عضو التنسيقية أن الأخطر هو استفادة أشخاص من التعويض الكامل رغم إقامتهم خارج المغرب، مضيفا أن بعض المستفيدين “قاموا بالزواج بعد الزلزال واستفادوا من التعويض بحكم قربهم من بعض المسؤولين”، في الوقت الذي تم فيه إقصاء أرامل وأيتام وأشخاص في وضعية إعاقة، ومرضى يعانون من أمراض مزمنة، رغم هشاشة أوضاعهم الاجتماعية.

وأكد المتحدث أن هذه الخروقات لا تقتصر على دوار “أنيرني”، بل تتكرر في عدد من الدواوير المتضررة، وهو ما خلصت إليه التنسيقية من خلال اجتماعاتها مع شباب وسكان المناطق المعنية.

كما نبه إلى خروقات أخرى وصفها بـ”الخطيرة”، تتعلق بملف إزالة ركام المنازل المنهارة، موضحا أنه رُصدت ميزانيات مهمة لهذا الغرض بعدد من دواوير التحويل، غير أن الواقع الميداني، بحسب قوله، يظهر أن شركات لم تقم بإزالة الركام في عدة مناطق، حيث لا تزال بقايا المنازل المهدمة قائمة “وكان الزلزال وقع بالأمس فقط”.

واعتبر أن منح مبالغ مالية دون معالجة جذرية للوضع لا يمكن إلا أن يندرج في إطار “محاولات لامتصاص الغضب واسكات المتضررين”، في وقت ظلت فيه أوضاع عدد من الدواوير على حالها دون تدخل فعلي.

وحذر عضو التنسيقية من الانعكاسات النفسية والاجتماعية الخطيرة لهذا الوضع، خاصة على الأطفال والأيتام، متسائلا: “كيف يمكن للأطفال أن يتجاوزوا الصدمة وهم يعيشون يوميا وسط مشاهد الركام والخراب”، معتبرا أن استمرار هذه الصور يعمق الجرح النفسي ويؤخر التعافي.

وختم آيت القاضي تصريحه بالتأكيد على مواصلة النضال والدفاع عن كل متضرر ومقصي، قائلا: “سنناضل مهما حيينا، لأن الكرامة لا تعوض، ولأن الأرواح ليست أرقاما في تقارير”.

يذكر أنه جرى تداول، خلال الفترة الأخيرة، عدد من مقاطع الفيديو من دواوير مختلفة بالمناطق المتضررة، توثق هشاشة الخيام، وصعوبة التنقل بسبب الثلوج والطرق المقطوعة، وقسوة الظروف المعيشية، ما دفع متابعين وفاعلين اجتماعيين إلى التساؤل عن جدوى بعض المشاريع التي أُنجزت في وقت وجيز، من قبيل ملاعب كرة القدم، في حين لا تزال أسر كثيرة تعيش أوضاعا صعبة بعد أكثر من سنتين على الفاجعة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا