آخر الأخبار

النجاحات المغربية تُخرج من رمال الصحراء "تنظيمات موسمية" بأسْمالٍ حقوقية

شارك

في أعقاب قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء المغربية، الذي هزّ الأرض من تحت أقدام أطروحة الانفصال وأبطل مفعول مخدّر اسمه “الاستفتاء” طالما خُدّر به سكان مخيمات تندوف لأزيد من خمسة عقود، ظهر بشكل جليّ حراك غير بريء تقوده “البوليساريو” ومن يتغذّى من سرديتها من تنظيمات تختفي وراء لباس “الحقوق”، وقد حوّلت مرجعية حقوق الإنسان الكونية إلى منصة تُنسَج فوقها اتهامات تستهدف المغرب، بل وتضع “وسام النضال” على صدر أيّ كان، وكأنها تبحث وسط هدير الحقيقة المغربية عن أيّ صوت يمكن أن يردّد خطابها الذي لم يعد مسموعا سوى بين سطور بياناتها.

هذه التنظيمات، التي يختلط في خطابها تجاه المغرب هوس الادعاء الحقوقي بهاجس الاستثمار السياسي، تناوبت منذ قرار أعلى هيئة في الأمم المتحدة على إصدار البيانات والبلاغات التي تحاول تصوير الصحراء المغربية وكأنها على وشك انهيار سياسي أو حقوقي، متجاهلة عن وعي وضعية آلاف المحتجزين في تندوف وغياب آليات المراقبة المستقلة في هذه البقعة الجغرافية الجزائرية، وفق منطق الجغرافيا وليس التاريخ.

الملاحظ في البيانات الأخيرة التي تصدر عن هذه التنظيمات الموسمية أنها لا تخفي ولاءها لنظام “حُرّاس الخرافة” في تندوف، ولا تتردد في تبنّي خطاب المظلومية بشكل جلي وواضح، بل وتظهر وكأنها وحدها من تحمل مفاتيح الحقيقة، أو حتى سلطة إعادة تكييف الجريمة لتصبح “نضالا”، وإعادة رسم الجاني ليبدو “ضحية”. ففي مرجعيتها التي تميل نحو أسوار “قصر المرادية”، يكفي أن يكون الفاعل “صحراويا” ليكون بريئا ومستهدفا من السلطات المغربية، ولو ارتكب أفظع الجرائم.

أهداف سياسية

“توجّه حقوقي” علّق عليه عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” نائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، بالقول إن “التوظيف المغرض لخطاب حقوق الإنسان من قبل البوليساريو في الأقاليم الجنوبية للمغرب يسعى لتعزيز أهداف سياسية تتعلق بأجندات جزائرية لعرقلة التوصل إلى حل نهائي قائم على حل يضمن سيادة المملكة المغربية على مجالها الجنوبي ويمنح اختصاصات حصرية لسكانه، مقابل سعي جبهة البوليساريو إلى الاستقلال التام عبر استفتاء، عن طريق دفعها بإطلاق منظومات موازية للدعاية في مجال حقوق الإنسان، تدّعي من خلالها تمثيل السكان الصحراويين وإظهار طهرانيتها في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان”.

وأضاف الكاين، في تصريح لهسبريس، أن “النشطاء والجمعيات المتعاطفة مع البوليساريو يسعون إلى استخدام استراتيجي للغة حقوق الإنسان في ظل ضعف مزاعمهم منذ سنوات وبعد اعتماد القرار الجديد، لتسليط الضوء على انتهاكات لم تُرتكب أصلا، وإنما يراد من تلك الحملات تأطير المطالب السياسية لجماعة البوليساريو ضمن المعايير الدولية لحقوق الإنسان، في عملية مفضوحة لإضفاء الطابع القانوني على مواقفهم السياسية من النزاع”.

وزاد: “طوّرت هذه المنظومة متشابكة المصالح خطابا إيديولوجيا لإسباغ الأطر القانونية الدولية، وطوّرت استراتيجيات متقدمة لاستغلال آليات حقوق الإنسان الدولية، بواسطة التوثيق الممنهج لانتهاكات مزعومة، وتقديم تقارير ظل إلى هيئات المعاهدات، واستدرار عطف بعض الإجراءات الخاصة، لا سيما المقررين الخاصين، في سعي دؤوب إلى تحويل مطالبهم السياسية المتطرفة إلى لغة عالمية تتمحور حول انتهاكات مزعومة للحقوق”.

وشدد الفاعل الحقوقي ذاته على أن “البوليساريو بآلتها الإعلامية وتنظيماتها الموازية تعتمد كليا على تقنيات رئيسية لنشر وتمدد خطابها الحقوقي، عبر العرض الانتقائي للحوادث، حيث يتم طمس وتعويم الظروف والسياقات والوقائع التي تحدث بمخيمات تندوف، وآخرها قتل الشاب الصحراوي علال خليهنا ديديه يوم 17 نونبر الماضي، والتركيز على ما يقع بالأقاليم الجنوبية مهما كانت بساطته، بانتزاع التدابير الأمنية المطبقة ردا على العنف من سياقها، والخلط بين إنفاذ القانون المشروع والقمع الممنهج”.

وذكر عبد الوهاب الكاين أن الآلة الدعائية البوليساريو “تستغل التحديات التي تواجهها الأقاليم الجنوبية المغربية ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية، كالبطالة وقضايا السكن والصحة والتعليم والخدمات، كاهتمامات مشروعة للمغاربة ككل، وتقوم بإعادة تأطيرها كأدلة على اضطهاد عرقي ممنهج ضد الصحراويين، بدلا من اعتبارها تحديات تواجه العديد من الجهات المغربية. ناهيك عن محاولة إسقاط حقوقي في غير سياقه على حالات الاعتقال التي تقع في الأقاليم الجنوبية، والاشتغال المغرض على تكييفها كحالات اضطهاد سياسي، بينما لا تعدو كونها تطبيقا للقانون وحرصا على سيادته”.

سرديات قديمة

في سياق ذي صلة، أوضح زين العابدين الوالي، رئيس المنتدى الإفريقي للأبحاث والدراسات في حقوق الإنسان، أن “صدور القرار الأممي رقم 2797 بشأن الصحراء المغربية أفرز موجة جديدة من التحركات الخطابية لدى البوليساريو وبعض التنظيمات المتماهية مع أطروحتها، خصوصا تلك التي تعتمد واجهة ‘حقوقية’ في اشتغالها. وقد لوحظ خلال الأسابيع التي تلت القرار ارتفاع منسوب التصريحات والتقارير التي تتهم المغرب بارتكاب ‘انتهاكات ممنهجة’ في الأقاليم الجنوبية، في محاولة لإعادة تدوير سرديات قديمة داخل سياق جديد يتسم بتراجع هامش المناورة الدبلوماسية لدى البوليساريو”.

وتابع المتحدث لهسبريس بأن “هذا السلوك يندرج ضمن استراتيجية تواصلية تهدف إلى إحياء الخطاب الحقوقي كأداة لتعويض التراجع السياسي والدبلوماسي أكثر مما يعكس استجابة لمعطيات ميدانية موثوقة. فغالبية الجهات التي تتبنى هذا الخطاب ترتبط بالأطروحة الانفصالية تنظيميا أو أيديولوجيا، ما يُضعف مقومات الحياد ويجعل خطابها رهانا سياسيا موجّها أكثر مما هو ممارسة حقوقية تستند إلى تحقيق مستقل أو توثيق قابل للتحقق”.

وبيّن أن “هذا التحرك جاء أيضا مدفوعا بيقين لدى البوليساريو ومن يدعمها بأن مسار الحسم يقترب، في ظل ترسخ القناعة الدولية بأولوية الحل السياسي الواقعي، وانسجام القرار 2797 مع التوجّه العام المؤكد على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. كما يوازي ذلك توسّع الاعتراف العملي بمغربية الصحراء وافتتاح قنصليات متعددة في مدينتي العيون والداخلة، ما عمّق شعور البوليساريو وحاضنتها الجزائر بالعزلة وأعاد توجيه رهانها نحو ورقة حقوق الإنسان بوصفها آخر منفذ لإبقاء النزاع مفتوحا على مستوى الخطاب”.

في الجانب المقابل، أكد زين العابدين الوالي أن “المغرب يواصل توسيع مكتسباته المؤسساتية والتنموية في الأقاليم الجنوبية، بما يشمل آليات الحماية الحقوقية ومشاريع الاستثمار والبنية التحتية، وهي معطيات تفرض مقاربة بحثية تتجاوز ‘خطاب الاتهام’ إلى تحليل توازن السرديات المتنافسة وفحص شروط إنتاجها وتداولها. ومن المهم هنا التنبيه إلى أن مخيمات تندوف ما تزال خارج الرقابة القانونية المباشرة، مع وجود مؤشرات عديدة – موثّقة في تقارير دولية – على انتهاكات تتعلق بحرية الحركة وتدبير الموارد”.

وخلص رئيس المنتدى الإفريقي للأبحاث والدراسات في حقوق الإنسان إلى أن “طبيعة المرحلة تجعل من ملف الصحراء المغربية مجالا يتجاوز المواجهة الدبلوماسية التقليدية نحو معركة على مستوى الشرعية الخطابية، حيث يغدو توثيق الوقائع وتقديمها بلغة هادئة ومرجعية شرطا أساسيا لتثبيت الرواية القائمة على المعطى القانوني وعلى التحولات الواقعية في الميدان. وهو ما يستدعي انخراط الباحثين ووسائل الإعلام في إنتاج معرفة تحليلية تفكك استراتيجيات توظيف الخطاب الحقوقي، وتعيد وضعه في سياقه السياسي والدولي بعيدا عن محاولات التضليل وإعادة إنتاج سردية تستنفد عناصرها تدريجيا”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا