مع تقدم المغرب في مسار تحيين وتفصيل الحكم الذاتي، لا سيما بعد استقبال مقترحات الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، تثير مسألة المصالحة والدمج بين الصحراويين والعائدين اختلافات في الرؤى بين أكاديميين وحقوقيين.
وبينما يدعم طرف تنزيل بنية للمصالحة وإدماج العائدين في الوظائف العمومية، يؤكد الطرف الآخر ضرورة الحسم أولا في من يحق له العودة والاندماج، في ظل وجود متورطين في دماء مغاربة، عسكريين ومدنيين، من صفوف الجبهة، ونسبة كبيرة من الأجانب الجزائريين والكوبيين، ومن إفريقيا جنوب الصحراء… في مخيمات تندوف.
وفي خطابه بمناسبة صدور القرار الأممي 2797، وجّه الملك محمد السادس “نداء صادقا لإخواننا في مخيمات تندوف لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم، وبناء مستقبلهم، في إطار المغرب الموحد”.
وأضاف الملك محمد السادس: “بصفتي ملك البلاد، الضامن لحقوق وحريات المواطنين، أؤكد أن جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وبين إخوانهم داخل أرض الوطن”.
وكانت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان اقترحت في مذكرة حول الحكم الذاتي، أعدتها “وفق مقاربة حقوقية”، إحداث “هيئة المصالحة والتنمية الصحراوية”، تعنى بـ”معالجة آثار الانفصال”، و”تقديم دعم نفسي-اجتماعي للعائدين”، وحل “النزاعات القبلية، وتعزيز اللحمة المجتمعية”، كما دعت إلى “دمج العائدين في الوظائف العمومية الجهوية”.
عباس الوردي، محلل سياسي أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “الاتساق التام مع الدينامية التي تعرفها التوليفة المرتبطة بتنزيل الحكم الذاتي على أرض الواقع، يفرض أن يتم توطيدها بمجموعة من الإجراءات المواكبة لعودة إخواننا من مخيمات العار في تندوف، وتأطير عملية إدماجهم من دون تفرقة بينهم وبين أشقائهم المواطنين في باقي أرض الوطن”.
واستحضر الوردي، في تصريح لهسبريس، أن “خطاب جلالة الملك محمد السادس، سالف الذكر، أكد أن إخواننا العائدين من مخيمات تندوف سوف ينعمون بالحقوق والأوضاع نفسها المرتبطة بالمواطنة التي يحظى بها باقي المواطنون المغاربة”، موضحا أن “هذا التوجه الملكي يبعث إشارة قوية لتنزيل مجموعة من الآليات الميسرة لإدماج واندماج العائدين من المخيمات”.
وذكر المحلل السياسي نفسه أن “كل المؤشرات تؤكد أن البينة المؤطرة لاندماج العائدين من مخيمات تندوف سوف تكون ذات خصوصية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحقوقي، وكذلك على صعيد خلق بنية مواكبة، سواء على مستوى المؤسسات الوطنية المركزية أو الجهوية”.
وأشار الوردي إلى “ترقب إعطاء مساحة كبيرة لأصوات شيوخ القبائل الصحراوية لحسم هذا الملف، إلى جانب مؤسسات الدولة”.
قال محمد نشطاوي، خبير في العلاقات الدولية، إن “المغرب أكد على لسان صاحب الجلالة سياسة اليد الممدودة للاجئين الصحراويين المغرّبين عن وطنهم المغرب”، موضحا أن “مقولة الوطن غفور رحيم، للملك الراحل الحسن الثاني، لا بد أن تنطلق منها أسس للتفاوض حول من يمكن أن يشكّل جزءا من السلطة الحاكمة في الأقاليم الجنوبية”.
وفي المقابل أوضح نشطاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “التحديات المرتبطة بمبادرة الحكم الذاتي كثيرة، وتتنوع ما بين دستورية وتنظيمية وقانونية وتشريعية وأمنية. مثلا: كيف سيتم التعامل مع من حملوا السلاح ضد المغرب؟ من تورطوا في قتل المدنيين والعسكريين المغاربة؟ وهل الصلاحيات التي سوف يتم منحها للأقاليم الجنوبية سوف تكون في إطار جهوي أم فيدارالي أم على أشكال أخرى كالنموذج الإسباني أو الألماني بل إن هناك من تحدّث عن نموذج هونغ كونغ؟”.
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن المقترحات سالفة الذكر “تحاول ليّ يد السلطات العمومية من أجل لجم طبيعة وآليات تعاملها مع اللاجئين الصحراويين”، وتابع: “أظن أن الأولوية هي العمل مع المعنيين على التنصل من تبعات الانتماء إلى البوليساريو”.
واستحضر نشطاوي بهذا الخصوص “تقريرا للمخابرات الإسبانية يكشف أن عدد الصحراويين المتواجدين في مخيمات تندوف لا يتجاوز 1819 شخصا، أي 2 في المئة من مخيمات تندوف، بينما البقية الغالبة في تلك المخيمات هم جزئريون أو موريتنانيون أو كوبيون”.
“بالتالي، لا بد من معرفة من له الحق في الرجوع إى الوطن”، وفق نشطاوي، مؤكدا أن “الدولة المغربية لديها من الوسائل ما يمكنها من فلترة من يمكنه الاندماج”.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على “وجوب وضع شروط والتزامات بشأن من يمكن أن يعود إلى الوطن وعلى أي أساس وفي أي ظروف”، مضيفا: “آنذاك يمكن للسلطات العمومية أن تتشاور مع إخواننا في الأقاليم الجنوبية بخصوص بلورة صيغة للحكم سواء في إطار الجهوية الموسعة أو المتقدمة، مع مراعاة المرتكزات التي سوف تحتفظ بها السلطات المركزية”.
المصدر:
هسبريس