أجمعت قراءات حكومية ونقابية وبرلمانية على ضرورة اتخاذ جملة من الإجراءات لتعزيز الإدماج المهني للموظفين ذوي الإعاقة بالمغرب، في مقدمتها تهيئة فضاءات العمل بشكل يتوافق مع الخصوصيات الحركية والجسدية لهذه الفئة، وملاءمة التشريعات الوطنية في مجال الوظيفة العمومية مع المعايير الدولية المتعلّقة بالأشخاص في وضعة إعاقة.
جاء ذلك في لقاء تواصلي نظمته النقابة الوطنية لإصلاح الإدارة (ا.م.ش) بشراكة مع وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمس الأربعاء بمقر الوزارة، بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة، تحت شعار “نحو منظومة إدارية دامجة ومنصفة للموظف (ة) في وضعية إعاقة في ظل التحول الرقمي.. المقاربات، الفرص والتحديات المشتركة”. وعرف اللقاء تكريم موظفين منتمين لهذه الفئة والاستماع لشهادات حول تجارب الإدماج المهني.
أمل الفلاح السغروشني، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، قالت إن “الإدماج المهني للأشخاص في وضعية إعاقة داخل الإدارة العمومية ليس فقط واجبا قانونيا، بل هو أيضا ضرورة استراتيجية لإغناء الرصيد البشري للمرفق العام، وتثمين الكفاءات التي يزخر بها هذا المكون المجتمعي”.
وأكدت السغروشني، في كلمتها خلال اللقاء، أن “الموظفين في وضعية إعاقة أثبتوا عبر مسارات عملية متعددة قدرتهم على أداء مهام دقيقة ومسؤوليات وازنة بكل كفاءة والتزام متى توفرت لهم الظروف الملائمة والدعم المؤسساتي اللازم”.
وفي هذا الصدد، شددت الوزيرة على أنه “أصبح من الضروري للقطاعات الحكومية والمؤسسات والجماعات الترابية والبرلمان بغرفتيه، العمل بتعاون وثيق مع الشركاء المؤسساتيين والاجتماعيين على تعزيز مجموعة من الإجراءات العملية التي تستهدف تحسين إدماج هذه الفئة داخل بيئة العمل”.
من بين هذه التدابير، ذكرت السغروشني “تهيئة فضاءات العمل بما يتوافق مع الخصوصيات الحركية والحسية للموظفات والموظفين في وضعية إعاقة”، و”توفير تجهيزات وأدوات رقمية مساعدة، مثل قارئات الشاشة، والبرمجيات الداعمة للتواصل والحواسيب المكيفة، والولوجيات الرقمية”.
كذلك، دعت المسؤولة الحكومية ذاتها إلى “تطوير برامج التكوين والمواكبة لضمان تطوير الكفاءات المهنية وتعزيز القدرة على الاضطلاع بمهام ومسؤوليات متنوعة”، و”تعميم ثقافة الاندماج داخل الإدارة عبر التحسيس والتوعية ومرافقة الوحدات الإدارية على اعتماد مقاربات دامجة”، فضلا عن “إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في الترقي والتعيين في مناصب المسؤولية، تكريما لجهود هذه الفئة وإعلاء لقيم الإنصاف”.
مصطفى الباهي، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لإصلاح الإدارة ذو إعاقة حركية عميقة، قال إن النقابة تدعو بهذه المناسبة الأممية إلى “التأكيد على ضرورة اتخاذ التدابير التشريعية والمؤسساتية والاجتماعية والمالية في إطار سياسة عمومية شمولية ومنسجمة لإنصاف الموظفات والموظفين في وضعية إعاقة، وتحقيق اندماجهم المهني الإيجابي في بيئة العمل بإدارات الدولة”.
وأضاف الباهي، في كلمته باسم المكتب الوطني للنقابة، أن الأخير “يؤكد أيضا على ملاءمة التشريعات الوطنية في مجال الوظيفة العمومية مع المعايير الدولية المتعلقة بالأشخاص في وضعية إعاقة، عبر مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية ومراسيمه التطبيقية، وكذا القانون رقم 19-54 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، بما يضمن إرساء بعد الإعاقة كمبدأ أساسي في تدبير المرافق العمومية وتسييرها”.
ودعا المصدر نفسه إلى “التسريع باعتماد نظام وطني شمولي ومنسجم للصحة والسلامة المهنية والتعويض عن الأمراض المهنية والتأمين عن حوادث الشغل، للحيلولة دون تعمق الإعاقة لدى الموظفات والموظفين الذين يعانون منها، تفعيلا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنيتين، التي صادقت عليها بلادنا في 14 يونيو 2019″، مع “إدماج بعد الإعاقة بشكل شمولي في نظام التغطية الصحة الإجباري عن المرض، عبر التعويض الشامل والكلي عن كل المتطلبات والأدوات الصحية والطبية التي يستعملها الموظفات والموظفون في وضعية إعاقة”.
زهرة محسن، مستشارة برلمانية عن فريق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أكدت أن “الذكاء الاصطناعي يشكل اليوم آفاقا واعدة لتعزيز إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة. فهو يوفر حلولا مبتكرة، من قبيل تحويل الكلام إلى نص لفائدة الصم، وتحويل النص إلى صوت لفائدة المكفوفين، واعتماد روبوتات المحادثة لتوجيه المرتفقين، وتحليل البيانات لضبط حاجيات هذه الفئة بدقة. هذه التقنيات تتيح للوزارة والإدارات العمومية تطوير خدمات أكثر فعالية واستهدافا”.
واعتبرت محسن، في كلمتها خلال اللقاء، أن “تحقيق إدماج فعلي ومستدام يستوجب اعتماد حكامة رقمية قائمة على الشفافية والمساواة والمشاركة”، مضيفة: “بهذا الخصوص، تعمل الوزارة على إدماج معايير الولوجيات في مشاريعها الرقمية، ووضع آليات للتتبع والتقييم، وإشراك الفاعلين الجمعويين وممثلي الأشخاص في وضعية إعاقة في مراحل التصميم والتنفيذ، بما يرسخ ثقافة دامجة داخل الإدارة ويضمن استمرارية هذا التوجه”.
المصدر:
هسبريس