حلت لجنة تحقيق مختلطة، أمس الخميس، بمنطقة تيدسي دائرة أولاد تايمة إقليم تارودانت، في إطار التحقيقات الجارية في ملف ما بات يُعرف إعلاميا بـ“سرقة المياه الجوفية” ونقلها نحو النفوذ الترابي لجماعة المهادي لسقي ضيعات فلاحية منها ضيعة كبيرة تعود ملكيتها لفلاح نافذ بسوس ماسك.
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة “العمق المغربي”، فإن اللجنة التي ضمت كل من رئيس دائرة أولاد تايمة، وقائدي قيادتي مشرع العين وأولاد امحلة، وممثل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس ماسة، وممثل وكالة الحوض المائي سوس ماسة، وممثل المديرية الإقليمية للوكالة الوطنية للمياه والغابات، عاينت خلال جولتها الميدانية، وجود بئر داخل قطعة أرضية محاطة بسياج بلاستيكي، بالإحداثيات x = 354.418 و y = 146.406، ومنجز بموجب رخصة حفر عدد 4013/2023 بتاريخ 28 مارس 2023، مخصصة لسقي مساحة تبلغ 6.5 هكتارات. وكان الثقب في وضعية اشتغال أثناء المعاينة، ومجهزا بمضخة عائمة ومحرك كهربائي.
وسجّلت اللجنة وفق وثيقة رسمية حصلت عليها جريدة العمق المغربي، وجود قنوات لتحويل المياه بقطر 160 ملم، تمتد من البئر نحو خارج القطعة الأرضية عند الإحداثيات x = 146.606 و y = 365.551، ومتجهة نحو ضيعة أخرى يستغلها المشتكى به، حيث عاينت اللجنة صهريجا مائيا بالإحداثيات x = 366.569 و y = 147.430، وصرح المشتكى به بأنه كان يستغل تلك الضيعة في زراعة الذرة قبل توقفه عن السقي منذ حوالي ثلاثة أشهر.
كما انتقلت اللجنة إلى نقطة أخرى تحمل الإحداثيات x = 368.662 و y = 149.022، حيث لاحظت وجود قناة بقطر 160 ملم متجهة نحو ضيعات فلاحية، من بينها ضيعة فلاحية تعود ملكيتها لفلاح نافذ ومعروف في سوس، كما عاينت اللجنة قناة أخرى بقطر 110 ملم، قال المشتكى به إنها موجهة نحو جمعيتي دوار آيت عباس ودوار الدهور بجماعة المهادي لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، غير أن أعضاء الجمعية المشتكية نفوا ذلك جملة وتفصيلا، مؤكدين أن الأنابيب تتجه نحو مسارات أخرى مرتبطة باستغلالات فلاحية خاصة.
وبناء على المعاينة المباشرة، خلصت اللجنة إلى مجموعة من التوصيات والإجراءات، من بينها مراسلة وكالة الحوض المائي لسوس ماسة لإلزام المشتكى به باحترام بنود الترخيص المسلم له، تحت طائلة سحبه طبقا للقانون.
كما أوصت ذات اللجنة المشتكى به بضرورة بتسوية وضعيته القانونية بخصوص استغلال المياه لسقي المساحة المصرح بها لدى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس ماسة، مع الإيقاف الفوري لأي تحويل غير قانوني للمياه.
وشددت اللجنة، على ضرورة إزالة جميع القنوات التي تم ضبطها، وردم ما تم حفره، وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه، داخل أجل لا يتجاوز عشرة أيام من تاريخ توصله بالمراسلة، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وكانت جمعية تاركة نتيدسي للبيئة والماء والفلاحة قد وجهت تقريرا مفصلا إلى وكالة الحوض المائي سوس ماسة، كشفت فيه ما وصفته بـ“استغلال غير قانوني وخطير للمياه الجوفية بواحة تيدسي”، معتبرة أن هذا المورد الحيوي يشكل أساس الحياة بالمنطقة وركيزة لتوازنها البيئي، وأن أي استنزاف له “يمثل تهديدا مباشرا للأمن المائي للسكان”.
وأوضح التقرير أن الواقعة تعود إلى 1 أكتوبر 2023 حين أقدم المدعو “ب أ” على حفر وربط بئر سطحي داخل الواحة بقنوات مائية بهدف نقل المياه نحو منطقة المهادي. وأكد أن المعني بالأمر ادعى وجود اتفاقية شراكة تجمعه بجماعة المهادي لتزويد السكان بالماء الصالح للشرب، غير أن المعطيات الميدانية – بحسب التقرير – تثبت أن الهدف الحقيقي هو سقي ضيعاته الفلاحية الخاصة، في خرق صارخ لمقتضيات القانون 36.15 المتعلق بالماء. وزاد التقرير موضحا أن هذه المياه لم تصل قط إلى دواوير جماعة المهادي، بل تُستغل يوميا لفائدة الضيعات الخاصة بالمشتكى به.
وكشف التقرير أن الجمعية باشرت، منذ اكتشاف الخرق، عدة خطوات قانونية وإدارية، من بينها مراسلة مدير وكالة الحوض المائي، وتوجيه نسخ من الشكاية إلى عامل إقليم تارودانت، وقائد قيادة مشرع العين، ورئيس جماعة تيدسي ن تداولت، ومدير المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي بأولاد تايمة، إضافة إلى وزارة التجهيز والماء. غير أن الجمعية أكدت أن هذه المراسلات “لم تلق أي تجاوب فعلي”، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لوقف الأشغال أو التحقق من الوضعية القانونية.
وأضاف التقرير أن لجنة عاملية انتقلت إلى موقع الشكاية بتاريخ 24 مارس 2024، غير أن مهامها لم تُستكمل بالشكل المطلوب، بعدما قام المشتكى به – وفق رواية الجمعية – بتوجيه اللجنة نحو منطقة بعيدة عن موقع الخرق، ما حال دون تسجيل الملاحظات التقنية الضرورية. وأوضح التقرير أن الجمعية توصلت لاحقا بمحضر صادر عن وكالة الحوض المائي بتاريخ 19 مارس 2024، يشير إلى اتفاقية شراكة مزعومة بين المشتكى به وجماعة المهادي، غير أن هذه الوثيقة تُستعمل، وفق التقرير، “كغطاء لتبرير نقل المياه”، بينما يتم الاستغلال الفعلي لأغراض فلاحية خاصة.
وسجل التقرير مجموعة من الاختلالات التي وصفها بـ“الخطيرة”، من بينها غياب احترام المساطر القانونية، واستعمال اتفاقية الشراكة بشكل “احتيالي” لتحويل المياه خارج مجالها الطبيعي، وتوقيع الاتفاقية مع شخص ذاتي وليس مع إطار قانوني، ما يجعلها “باطلة قانونيا”.
كما أكد التقرير وجود عمليات بيع للمياه الجوفية المستخرجة من أحواض الواحة لفائدة فلاحين بمنطقة المهادي، مقابل مبالغ مالية، في وقت تستمر فيه عملية الاستنزاف إلى اليوم، مع غياب الشفافية في المعاينات الميدانية وعدم التجاوب مع مراسلات الجمعية.
وختمت الجمعية تقريرها بالتشديد على أن الوضع بات خطيرا وينذر بتدهور بيئي غير مسبوق، داعية إلى فتح تحقيق استعجالي، وإيفاد لجنة تقنية مختصة لإجراء معاينة شاملة، وإيقاف الاستغلال غير القانوني إلى حين استكمال التحقيق، والتأكد من قانونية الاتفاقية المزعومة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل المتورطين في تحويل مياه الواحة عن غايتها الأصلية.
ويشار إلى أنه عقب التقرير الذي نشرته العمق المغربي تحت عنوان: “العطش يهدد مئات الأسر بنواحي أولاد تايمة وسط اتهامات لفلاحين كبار بـ “سرقة المياه الجوفية”، أصدر رئيس جماعة المهادي بيانا نفى فيه توقيعه على أي اتفاقية مع أي طرف بتيدسي لنقل مياه بئر أنجزت في واحدة تيدسي إلى نفوذ تراب جماعته، غير أن الجريدة حصلت على وثائق رسمية تناقض هذا النفي، بينها مراسلتان صادرتان عن وكالة الحوض المائي ووزارة التجهيز والماء، تؤكدان وجود اتفاقية مبرمة بين الجماعة وأحد الخواص بتيدسي، وتتعلق بحفر بئر لتزويد الساكنة بالماء الشروب.
وتوضح مراسلة وكالة الحوض المائي المؤرخة بـ7 مارس 2024 أن البئر موضوع الشكاية انجز بناء على ترخيص رسمي رقم (4043/2023) بعمق 200 متر، ومجهزة بمضخة غاطسة وقناة ناقلة تمر عبر طرق تؤدي إلى ضيعات فلاحية خاصة، مؤكدة أن صاحب البئر دخل في اتفاقية مع جماعة المهادي لتزويد الساكنة بالماء.
أما مراسلة وزارة التجهيز والماء بتاريخ 3 فبراير 2024، فقد زكت المعطيات نفسها، مبرزة أن العملية تدخل في إطار تزويد جماعات قروية بالماء الشروب، لكنها شددت على ضرورة التحقق من سلامة المساطر القانونية المرتبطة بالاتفاقية.
المصدر:
العمق