بعد خمس سنوات من إعلان جبهة “البوليساريو” عودتها إلى ما تسميه “الكفاح المسلح” في 13 نونبر 2020، تعيش أطروحة الانفصال في الصحراء المغربية على سلسلة من الانهيارات الدبلوماسية المتتالية، آخرها قرار مجلس الأمن 2797 الذي رسّخ سموّ مخطط الحكم الذاتي المغربي؛ إذ تراجعت الجبهة إلى موقع “المتفرج” على التحولات الدولية كما لو أن رهانها على “التصعيد العسكري” كان رصاصة مرتدة أصابت مشروعها قبل أن تطال المغرب.
ومع كل خطوة تصعيدية يفقد هذا التنظيم المسلح المدعوم جزائريا مساحة أخرى من التعاطف الخارجي، إلى أن تحولت سردية “التحرير” التي طالما خَدَّر بها عقول المحتجزين في مخيمات تندوف إلى خطاب بلا صدى، وتحول معها قرار العودة إلى “الحرب”، الذي رُوِّج له حينها كـ”منعطف تاريخي”، إلى لحظة ارتطام عنيفة بصلابة الواقع الدولي.
انتكاسات “البوليساريو” خلال السنوات الماضية تراكمت كما تتراكم رمال الصحراء التي ترفض أطروحتها؛ فتحُ قنصليات جديدة في العيون والداخلة، تبنّي قرارات أممية متتالية تؤكد جدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تقلص غير مسبوق في الدول الداعمة، وارتداد لافت لنفوذها داخل إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهكذا، بدلا من أن تعيد الجبهة رسم معادلات القوة بالعودة إلى حمل السلاح، تحولت إلى كيان لم يعد العالم يرى في خطابه سوى صدى مُتعب لنزاع تجاوزه الزمن.
في هذا الصدد، قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي العسكري السابق في جبهة البوليساريو، إن “الجبهة وصفت قرار التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار نهاية 2020 منذ اليوم الأول بالاضطراري، فهم لم يكونوا جاهزين للحرب، وتأكد ذلك مع مرور الوقت، والاضطرار بمعنى أنها كانت رد فعل على تأمين المغرب معبر الكركرات وانفتاحه التجاري على العمق الإفريقي والعالم”، مضيفا أن “الهدف الذي سعت البوليساريو إلى تحقيقه من وراء ذلك هو غلق المعبر من الأساس، وكان قرار إعلان الحرب استمرارا لفكرة الحصار التي فشلت في الكركرات”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “قرار العودة إلى الحرب كان خاطئا في البعد التكتيكي، سواء من حيث التوقيت أو الشكل؛ إذ إن اختيارها لتوقيت بدء الحرب وشكل رد الفعل جعلها تخسر في البعد الاستراتيجي أيضا، فقد فقدت سيطرتها وحرية حركتها في المناطق شرق الحزام، وفقدت بذلك ورقة الرصاصة التي كانت تأمل أن تسند موقفها التفاوضي”.
وزاد شارحا: “بالتالي، كان استمرار غلق معبر الكركرات بعد صدور قرار مجلس الأمن لسنة 2020 فعلا خاطئا تسبب في خسارة ورقة المعبر، تبعه خطأ أكبر منه، أي العودة إلى الحرب، وهو ما أنتج كارثة إخراج الجبهة من كامل أراضي الصحراء، وبقاءها محاصرة داخل التراب الجزائري”، معتبرا أن “قرار إعلان العودة لحمل السلاح لم يُضف أي جديد لمكاسب الجبهة في النزاع، لا على المستوى الميداني ولا السياسي ولا حتى الإعلامي، بل بالعكس باتت الحرب تشكل عبئا كبيرا عليها وعلى حلفائها بسبب التفوق المغربي ميدانيا ودبلوماسيا”.
وتفاعلا مع سؤال استمرار تشبث الجبهة بمطلب “الاستقلال” رغم التحولات الدولية، بيّن المتحدث ذاته أن “جبهة البوليساريو هي اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أي إن وجودها مرتبط بـ’التحرير’. فالتفويض الذي حصلت عليه من أنصارها هو تحقيق هدف التحرير، لذلك لا تملك غير التشبث بهدفها المعلن لأنه الضامن لشرعية بقائها، ولأن حيادها عنه سيفتح المجال لكل واحد لاختيار الصيغة المناسبة لتقرير مصيره، ولهذا تصرّ على أن يبقى في المخيمات التي تديرها فقط الأشخاص الذين يؤمنون بهدف التحرير والاستقلال لضمان استمراريتها”.
وقال عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، إن “البوليساريو فقدت زخمها الانفصالي أمام قوة مشروعية الوحدة الترابية للمملكة المغربية لقوة دفوعها أمام المنتظم الدولي، حيث إن المغرب دولة لها مصداقية وموثوقية في حفظ قيم السلم والأمن الدوليين، الشيء الذي منحه دعما لاستعادة تأمين معبر الكركرات الذي كانت تعبث به عناصر البوليساريو الانفصالية في تحدٍّ لبعثة الأمم المتحدة”.
وأضاف الفاتيحي، في تصريح لهسبريس، أن “الجبهة بعدما فقدت أيضا وزنها في الاتحاد الإفريقي عقب عودة المغرب إلى هذا الاتحاد، حاولت أن تستعيد كاريزمتها المفقودة بالعودة إلى الأعمال الإرهابية ضد المملكة المغربية لمحاولة ضمان تأييد لها إفريقيّا ودوليّا، غير أن العكس هو الذي حصل”، مبرزا أن “سوء التقدير السياسي لجبهة البوليساريو نتيجة خضوعها للفكر القتالي أدى إلى تراجع التأييد الإقليمي والجهوي لها، فيما واصلت المملكة المغربية انتصاراتها الدبلوماسية بفضل مبادرة الحكم الذاتي حتى أصبحت اليوم الحل الوحيد لإيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء”.
وزاد قائلا: “على خلاف المنتظر، بعد عودة البوليساريو إلى حمل السلاح، تراجعت أطروحتها إلى أدنى مستوياتها، فيما تزايد الدعم والتأييد للسيادة المغربية على الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي”، مشددا على أن “الرهان على الأعمال العسكرية الإرهابية باء بالفشل، وكانت له نتائج عكسية ستؤدي بالجبهة إلى تصنيفها تنظيما إرهابيا يهدد السلم والأمن الدوليين. فبعدما كانت تنتظر تشجيعا من الاتحاد الإفريقي، حيث اعتقدت أنها قد رفعت سقف مطالبها الانفصالية عاليا، تبخّر زيف الدعم الموعود، فوجدت نفسها في عزلة مع صانعتها الجزائر”.
المصدر:
هسبريس