آخر الأخبار

هذه سيناريوهات مصير آلاف الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف

شارك

رجح مجلس الأمن الدولي كفة المغرب أمام جبهة البوليساريو في ملف نزاع الصحراء الذي دام زهاء نصف قرن، ممتدا من سنة 1975 إلى غاية 31 أكتوبر 2025، تاريخ تصويت المجلس، من خلال تأييد الحكم الذاتي المغربي ليكون “الحل الواقعي” لكل تسوية لهذا النزاع الإقليمي.

يطرح القرار الأممي الجديد المتعلق بدعم خطة الحكم الذاتي لمناطق الصحراء تحت سيادة المغرب، سؤالا جوهريا بخصوص مستقبل ومصير آلاف السكان الصحراويين الذين يناهز عددهم 175 ألفا بحسب المفوضية العليا للاجئين، ويقيمون في مخيمات تندوف الواقعة على الأراضي الجزائرية، والقريبة من الحدود المغربية.

ويترقب الصحراويون في مخيمات تندوف مصيرهم، خصوصا في مرحلة ما بعد قرار مجلس الأمن بالدعوة إلى المفاوضات بين أطراف النزاع على أساس المخطط المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.

كرونولوجيا الملف

بإعلان مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025 دعم مخطط الحكم الذاتي الذي ينال أيضا موافقة أغلب دول الاتحاد الأوروبي، يكون ملف نزاع الصحراء قد قطع خمسين سنة بالتمام والكمال، تخللتها خلافات ونزاعات وقرارات أممية، وأحداث كثيرة بين المغرب والجبهة المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.

محمد بن طلحة الدكالي، أستاذ العلاقات الدولية، استحضر أبرز مسارات هذا الملف الشائك، ومن ذلك الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975، الذي يعترف بروابط الولاء للقبائل الصحراوية للمملكة المغربية.

في 6 نونبر 1975، يقول الدكالي، نظم الملك الراحل الحسن الثاني مسيرة خضراء شارك فيها أزيد من 350 ألف مغربي توجهوا إلى الصحراء، ما أجبر إسبانيا، البلد المستعمر، على التفاوض مع المملكة، جراء ضغط دولي وإقليمي أنهى الاحتلال الإسباني.

وأضاف المحلل السياسي ذاته أنه في 14 نونبر 1975، تم توقيع اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا لتقسيم الإقليم إداريا، غير أن البوليساريو، المدعومة من الجزائر وليبيا، رفضت هذا الاتفاق، مراهنة على مجموعة من ذوي الأصول الصحراوية الذين ولدوا كلهم في الأراضي المغربية وكانوا يدرسون بالجامعات المغربية، وكانوا قد شكلوا “فصيلا طلابيا” من أجل تحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني، وبالتالي الرجوع إلى المغرب.

وتابع بن طلحة قائلا: “في 26 فبراير 76، أعلنت البوليساريو قيام ‘الجمهورية الصحراوية’ في تندوف على الأراضي الجزائرية، مع تعزيز دعم الجزائر وليبيا لها، بينما عمد المغرب إلى تشييد جدار دفاعي رملي بالصحراء بين سنتي 1981 و1987، ليسيطر بذلك على 80 في المائة من أقاليم الصحراء.

سياقات مبادرة الحكم الذاتي

بعد تدخلات وتوافقات دولية، أقر مجلس الأمن الدولي في شتنبر 1991 وقف إطلاق النار، وأحدث بعثة أممية لمراقبة هذا الوقف (المينورسو)، وأيضا لمحاولة تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، لكن هذا الاستفتاء تأجل بسبب خلافات حول أصول الناخبين.

في هذا الصدد، سجل بن طلحة الدكالي أن “البوليساريو” حشدت لهذا الغرض الكثير من سكان الجزائر ولاجئي موريتانيا ومالي وتشاد، بينما العدد الأصلي للسكان الصحراويين تضاءل إلى حد كبير، وهذا ما جعل المغرب يدعو إلى ضرورة إحصاء السكان في مخيمات تندوف، لكن الجزائر وحركة البوليساريو ما زالا يصران على رفض إجراء أي إحصاء أممي.

وتابع المتحدث كرونولوجيا الأحداث موردا: “في سنة 2007، قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل وسط مع الحفاظ على السيادة المغربية، وهي خطة اعتبرها مجلس الأمن الدولي ذات مصداقية في قرارات لاحقة. وفي سنتي 2018 و2019، عرف النزاع عقد جولات من الموائد المستديرة بمشاركة الجزائر وموريتانيا والبوليساريو والمغرب، غيرها أنها آلت إلى الفشل”.

وذكر بن طلحة أنه في 13 نونبر 2020، انهار وقف إطلاق النار، حيث أعلنت البوليساريو انهيار الاتفاق بعد فتح المغرب ممرا تجاريا في “الكركرات” على الحدود مع موريتانيا، مما أدى إلى تصعيد إقليمي وقطع الجزائر للعلاقات مع المغرب، لأنها “اعتبرت ذلك مسا بأمنها الإقليمي وعمقها الاستراتيجي”.

وعملت الدبلوماسية المغربية، يسترسل الأستاذ الجامعي، بكل السبل على ترسيخ مبادرة الحكم الذاتي انطلاقا من تجارب دولية مقارنة، فتجاوبت العديد من الدول، بلغ عددها أكثر من 120، مع المخطط المغربي، على رأسها الولايات المتحدة، بينما فتحت بعضها قنصليات في الصحراء.

وزاد بن طلحة أن أهم منعطف عرفه ملف الصحراء، “هو اعتراف واشنطن الصريح بسيادة المغرب على الصحراء في سنة 2020، قبل أن يشهد هذا الملف دينامية لافتة اتسمت بارتفاع عدد البلدان التي دعمت الحكم الذاتي، ويتوج مجلس الأمن الدولي هذه السيرورة بقراره الأخير يوم 31 أكتوبر”.

سيناريو الإدماج أو الاختيار

لا يقتصر قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بدعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء على إعادة رسم ملامح الحل السياسي للنزاع، بل يفتح أيضا بابا جديدا أمام مصير آلاف الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف.

في هذا السياق، قال هشام معتضد، باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، إن “مجلس الأمن، عبر تبنيه خيار الحكم الذاتي كإطار وحيد وواقعي، أسقط عمليا مطلب الانفصال، وأعاد تعريف المخيمات كفضاءات مؤقتة ينبغي أن تنتهي وظيفتها التاريخية، فالقرار، رغم طابعه الدبلوماسي، يتضمن رسالة ضمنية مفادها أن استمرار الوضع الإنساني في تندوف أصبح غير قابل للتبرير، وأن المجتمع الدولي لم يعد يرى فيه سوى مأساة إنسانية مفتوحة على الفوضى”.

وبسط معتضد ثلاثة سيناريوهات بشأن مصير آلاف الصحراويين في مخيمات تندوف. السيناريو الأول، وهو الأقرب إلى الواقعية، يتمثل في “فتح قنوات تنسيق أممية ــ مغربية لإعادة إدماج الراغبين في العودة ضمن إطار إنساني منظم، يضمن كرامتهم وحقوقهم”.

هذا السيناريو، وفق المحلل ذاته، يجد قوته في دينامية الانفتاح التي عبّر عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه الذي ألقاه مباشرة بعد قرار مجلس الأمن، حين دعا إلى عودة الصحراويين إلى وطنهم ضمن مبادرة الحكم الذاتي، وهنا يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دور الضامن التقني واللوجستي لهذه العودة.

السيناريو الثاني، وفق معتضد، قد يتجه نحو “صيغة انتقالية تحت إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تتيح للساكنة حرية الاختيار بين العودة إلى الأقاليم الجنوبية أو إعادة التوطين في بلدان أخرى، وهو خيار مكلف سياسيا وإنسانيا، لكنه يظل قائما نظريا ضمن الأدوات الأممية المعروفة في حالات النزاعات الممتدة”.

سيناريو ثالث

السيناريو الثالث الذي وصفه معتضد بكونه “الأكثر حساسية”، يتعلق بـ”إمكانية أن تستمر الجزائر في استخدام المخيمات كورقة ضغط سياسية رغم فقدان الغطاء القانوني الدولي، وهو ما قد يفتح الباب أمام توتر إنساني داخلي وتنامي الأصوات الرافضة لاستمرار هذا الوضع داخل المخيمات نفسها، غير أن هذا المسار قد يولد اضطرابات داخلية يصعب ضبطها في المدى المتوسط”.

وسجل المتحدث أنه في المقابل، يظهر أن المغرب يستعدّ لما بعد قرار مجلس الأمن برؤية متكاملة، تربط بين الحل السياسي والتنمية المحلية؛ فالرهان المغربي لم يعد فقط على الشرعية الدولية، بل على قدرته في تحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج استقرار وجاذبية، بما يجعل العودة إلى الوطن خيارا منطقيا لكل من عانى من التهميش في تندوف، الشيء الذي سيحوّل الملف من نزاع إقليمي إلى تجربة استيعاب ودمج ناجحة تحت مظلة أممية.

ورأى معتضد أنه “من منظور أممي، تمثل اللحظة الراهنة فرصة نادرة لتصفية أحد أقدم الملفات العالقة في شمال إفريقيا، حيث إن مجلس الأمن أعاد الاعتبار لمنطق الحل الواقعي، والدبلوماسية المغربية أظهرت نضجا في توظيف هذا التحول لخدمة الاستقرار الإقليمي، لكن نجاح المرحلة المقبلة سيتوقف على مدى تعاون الجزائر في تسهيل العودة الطوعية وضمان عدم توظيف الملف لأغراض داخلية أو أيديولوجية”.

وذهب المحلل السياسي عينه إلى القول: “نحن أمام مشهد جديد تتقاطع فيه السياسة بالإنسانية؛ فالمخيمات لم تعد قضية جغرافيا ونزاع، بل باتت قضية كرامة بشرية وحق في الانتماء”، ليخلص إلى أن “قرار مجلس الأمن الأخير منح الأمل بإغلاق صفحة مؤلمة من التاريخ الحديث، شرط أن يُترجم مضمونه إلى واقع ميداني يحفظ للصحراويين إنسانيتهم، ويعيد لهم حقهم في حياة طبيعية داخل وطنهم، في ظل مغرب موحد آمن ومستقر.”

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا