نظمت شعبة التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة ومختبر الشرق للدراسات والبحوث التربوية والإنسانية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين ومسلك التاريخ والجغرافيا بالمدرسة العليا للتربية والتكوين بالمدينة نفسها، ندوة وطنية لتدارس كتاب “الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن بين المرجعية الإسلامية والمواثيق الدولية” للمؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش، بتقديم قراءات تحليلية ورؤى نقدية، أعدها كوكبة من الباحثات والباحثين من تخصصات علمية مختلفة.
بعد الجلسة الافتتاحية للندوة، بدأت الجلسة العلمية بورقة الدكتورة بشرى زكاغ حول “الحرية النسائية في المغرب بعيون المؤرخ”، دافعت فيه عن حاجة المجتمع المغربي إلى حضور المؤرخ في أي تحليل لقضايا المرأة الحقوقية، بهدف تعميق فهم جذورها وامتداداتها التاريخية عبر العصور.
وإذا كان حضور المؤرخ في النقاش المجتمعي ضرورة ملحّة، فعن أي حرية ينبغي أن ينصبّ تحليله؟ تساءلت ورقة الدكتورة جميلة الرحماني في زمن متوتر، يتميز باصطدام النص الشرعي بالقوانين الدولية.
في إجابتها عن هذا التساؤل، تفاعلت الباحثة مع النص الذي يقدمه الكتاب موضوع القراءة من خلال تحديدها لمجموعة مما أسمته بعتبات الكتاب، ترى أنها تشكل مفاتيح لفهم الأفكار البديلة التي يطرحها مؤلفه.
ولحلحلة الإشكالية القانونية المتمحورة حول ثنائية الكونية والخصوصية، تناولت الدكتورة زاهية أفلاي بالدراسة والتمحيص خريطة الطريق التي يطرحها مؤلف الكتاب، وهو ما أسمته بـ”الطريق الثالث” الذي رسمه للتقريب بين التيارين الإسلامي والحداثي من أجل إبداع مفهوم موحد للحرية النسائية، بمنهجية تتوخى البحث عن المشتركات الفكرية بينهما، وإعادة قراءات المختلف فيه.
وأشارت إلى أن المؤلف تمكن، من خلال مناقشاته للقضايا المختلف فيها، أن يحدد أسبابها في سوء الفهم والقراءة المسبقة وأن فرص تذليلها وافرة إذا أخرجت من عباءتها السياسية والإيديولوجية وخضعت للتحليل الأكاديمي المحض.
في السياق نفسه، ثمّنت الدكتورة ابتسام الزاهر طروحات الكتاب، ومنظور مؤلفه الذي يستهدف ربط مدونة الأسرة بالحرية، فقدمت قراءة تنطلق من إشكالية التعارض بين مرجعية الفقه المالكي وإكراهات الواقع، لتصل إلى القول بالحاجة إلى تذويب هذا التعارض بحسن تنزيل النص الفقهي وتبيئته مع مستجدات الواقع.
في حين رافعت مداخلة الدكتورة رشيدة الرهج عن الحرية النسائية في ارتباطها بالواقع الاقتصادي. وقدمت بهذا الخصوص نماذج وإحصائيات اقتصادية مفيدة، اقترحت الاستئناس بها في مثل هذه الدراسات، للدلالة على الوضعية المتردية للمرأة المغربية اقتصاديا؛ لأن الهشاشة الاقتصادية للمرأة المغربية تأتي على رأس قائمة المشاكل التي تعرقل تمكينها اقتصاديا، ووصولها إلى الحرية المنشودة.
أما قراءة الأستاذ طارق يشي، فقد أطرت الكتاب ضمن مشروع المؤرخ إبراهيم بوتشيش حول تاريخ الهامش والمهمش وتاريخ الذهنيات في العصر الوسيط، وصولا إلى التاريخ الراهن الذي تجسد فيه المرأة مجالا من المجالات المهمشة.
وأبرز يشي في قراءته أن تغيير الذهنيات داخل المجتمع المغربي هو القادر على تحريك المياه الراكدة لبلوغ ضفة الحرية النسائية.
واختتمت جلسة القراءة بنقاش عميق بين الحضور الذي ضمّ فعاليات أكاديمية وطلابية وحقوقية ونقابية، شمل استفسارات وتعقيبات أجاب عنها مؤلف الكتاب في مداخلة تركيبية عقّب فيها على القراءات المقدمة، وعلى استفسارات الجمهور في جو علمي، أكد فيه أن كتابه الذي استغرق عشر سنوات هو إسهام في الإجابة عن بعض التحديات الراهنة المحيطة بنسيج المجتمع المغربي وهويته وتطلعاته؛ لكن سؤال الحرية النسائية وما يتمخض عنه من تعديلات في مدونة الأسرة سيظل دائما ملفا مفتوحا للنقاش والحوار، وأن التدافع حوله لا ينتهي ما دام التنوع الفكري والتدافع داخل المجتمع المغربي يثمر كل مرة أسئلة متجددة.
حري بالذكر أن هذا اللقاء حول كتاب “الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن بين المرجعية الإسلامية والمواثيق الدولية” للمؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش يأتي بعد سلسلة من الجلسات العلمية والحوارية التي احتضنتها جامعات وجمعيات تربوية وحقوقية مغربية.
المصدر:
هسبريس