آخر الأخبار

"التراشقات السياسية" تنتزع مشروع قانون المالية من "المناقشات التقنية"

شارك

مع انطلاق مناقشة مشروع قانون المالية للسنة المالية 2026 داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان، برزت إلى الواجهة “حدة غير مسبوقة” في الخطاب السياسي بين مكونات مجلس النواب، سواء داخل المعارضة أو حتى بين أحزاب الأغلبية نفسها؛ ما جعلها ترجّح كفة “الهاجس الانتخابي” على المناقشة “التقنية”.

ولم تخطئ عيون محللين للشؤون السياسية ومتابعين لمناقشات آخر “مشروع مالية” في ولاية حكومة أخنوش زيادة منسوب “التوتر” اللفظي والسياسي، الذي طبع جلسات النقاش العمومي داخل اللجان؛ المنقولة على “المباشر” في سابقةٍ تميز النقاشات التشريعية لأهم مشروع قانون يمس معيش وحياة المغاربة في معظم المناحي.

ويرى متابعون ومهتمون أن ذلك مؤشر يكشف عن “تحوّل مبكر في المزاج السياسي نحو منطق التنافس الانتخابي أكثر من الانشغال بالتدبير المالي والانسجام المؤسساتي”، لا سيما أننا على بُعد نحو عام من الاستحقاقات التشريعية 2026.

ولاحظ محللون، استقرأت هسبريس آراءهم، أنه “في الوقت الذي يفترض فيه أن تشكل هذه المرحلة محطة للتعبئة حول تنزيل البرامج الحكومية وتنفيذ قانون المالية لسنة 2025، تتسع مؤشرات الاصطفاف الحزبي والاستعداد المبكر لاستحقاقات 2026، بما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الفاعلين السياسيين على الفصل بين منطق التنافس الانتخابي وبين متطلبات الفعالية الحكومية في سياق اجتماعي واقتصادي دقيق”.

“الهاجس الانتخابي”

رضوان اعميمي، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “حدة التراشق السياسي التي طغت على مناقشات مشروع قانون المالية لسنة 2026 تعكس بالأساس غلبة الهاجس الانتخابي لدى مختلف الفرق البرلمانية، سواء داخل المعارضة أو حتى ضمن مكونات الأغلبية الحكومية”.

وأضاف اعميمي، مفصلا ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “في ما يخص المعارضة، فما يجري يمكن قراءته على أنه يُعد “سلوكا متوقعا وربما طبيعيا في هذه المرحلة”، موضحا أن “أحزاب المعارضة تحاول استعادة المبادرة وإثبات حضورها بعد مرحلة اتسمت بالضعف العددي والتشتت وغياب التنسيق؛ وبالتالي تسعى إلى إعادة بناء موقعها استعدادا للاستحقاقات التشريعية لسنة 2026″.

أما على مستوى الأغلبية، فقدّر المتحدث ذاته أن حدة السجال الداخلي “تطرح إشكالا أكثر عمقا”، لأنها “تكشف عن توتر في العلاقات بين مكونات التحالف الحكومي في وقت يفترض فيه توحيد الجهود لتنزيل البرامج العمومية ومواكبة تنفيذ قانون المالية لسنة 2025، في انسجام مع التوجيهات الملكية الأخيرة سواء في خطاب العرش أو خطاب افتتاح البرلمان في دورته التشريعية الأخيرة برسم الولاية 2021–2026″.

وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون العام والعلوم السياسية: “التنافس المبكر بين أحزاب الأغلبية حول المواقع الانتخابية المقبلة يجعل التنسيق الحكومي أكثر قابلية وعُرضة للاهتزاز بما قد يؤثر على فعالية التدبير العمومي، خاصة في ظل تنامي الاحتجاجات الاجتماعية وتصاعد المطالب بتحسين الأوضاع في قطاعات اجتماعية وازنة”.

وخلص اعميمي إلى أن “المنطق الانتخابي بدأ يطغى على منطق التدبير”؛ وهو ما جعله يرجح بأن ذلك “قد يُضعف الانسجام داخل الأغلبية ويؤثر سلبا على سرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والأوراش الاستراتيجية التي تتطلب قدرا عاليا من التضامن السياسي والمؤسساتي”، بتعبيره.

إشارات قوية

في قراءته لتصاعد حدة الخطاب السياسي خلال مناقشة مشروع قانون المالية، أبرز العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، والمدير العام للمجلة الإفريقية للسياسات العامة، أن “على الفاعل الحزبي أن “يعي مسؤوليته ويضطلع بدوره تجاه المواطن المغربي، باعتباره أساس العملية الديمقراطية ومرتَكز شرعية التمثيل”.

وقال الوردي، في تصريح لهسبريس، إن “المرحلة الراهنة، بما تعرفه من تحولات عميقة في الخارطة السياسية، تستدعي تمكين المواطنات والمواطنين من أدوات المشاركة وتحفيزهم على خوض التجربة الانتخابية المقبلة، بعيدا عن منطق التراشق والمزايدات”.

وأضاف الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون العام أن “حدة التلاسن السياسي الراهن تحمل إشارات قوية واضحة على اقتراب مرحلة الاستعدادات الجدية لانتخابات 2026″؛ غير أنه شدد على أن “هذا التنافس ينبغي ألا يتجاوز حدود اللياقة السياسية والاحترام الواجب للمؤسسات الدستورية والتشريعية”؛ لأن “المواطن اليوم يراهن على تخليق الحياة السياسية أكثر مما يراهن على الصراع الخطابي”.

وأشار المتحدث عينه إلى أن “الإصلاحات الجديدة المرتبطة بالترشح والتزكية وتمويل الحملات الانتخابية، إلى جانب فتح المجال أمام الشباب لتولي المسؤولية العمومية، تشكل فرصة حقيقية لتجديد النخب السياسية وإعادة بناء الثقة؛ “لكن هذه الدينامية لا يمكن أن تنجح في ظل استمرار مشاهد التوتر داخل قبة البرلمان”.

وقدّر المدير العام للمجلة الإفريقية للسياسات العامة أنه “آنَ الأوان لتفعيل الميثاق الأخلاقي ومدونة السلوك البرلماني؛ لأن التداول في قضايا الشأن العام يفترض سعة الصدر واحترام الرأي المخالف: من يختلف معي لا يمنحني الحق في التهجم عليه أو في إطلاق الاتهامات، لأن ذلك يسيء إلى صورة المؤسسة التشريعية في نظر المواطن”.

وختم الوردي مشددا “المطلوب اليوم هو العمل الجاد والمقترن بالجدية والمسؤولية، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطبه السامية، لأن تخليق الحياة السياسية ليس شعارا ظرفيا، بل ركيزة أساسية لبناء الثقة وتحصين المكتسبات الديمقراطية”، مستحضرا أن “المواطن المغربي أصبح أكثر وعيا ونضجا (..) حيث الانتخابات المقبلة ستكون الفيصل الحقيقي في تقييم الأداء السياسي، وامتحانا لمدى قدرة الأحزاب على تجديد دمائها وإنتاج نُخب مؤهلة لتدبير الشأن العام وطنيا وترابيا”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا