أصبح تصنيف مجموعة من الأحياء بقلب مدينة الدار البيضاء كمناطق صناعية من طرف الوكالة الحضرية يثير غضب البيضاويين، بسبب ما باتت تخلفه هذه الدوائر من ضجيج وضوضاء نتيجة العديد من الأشغال المثيرة للجدل.
واشتكى عدد من المواطنين في مجموعة من المقاطعات التابعة لجماعة الدار البيضاء من التنطيق الذي تخططه الوكالة الحضرية، باعتبار مجموعة من النقاط داخل مقاطعات العاصمة الاقتصادية “دوائرَ صناعية”.
وتعيش ساكنة مقاطعات عين الشق، والحي الحسني، وعين السبع، والبرنوصي، وسيدي مومن، إلى جانب باقي المقاطعات المعنية، على وقع الضجيج المستمر، بسبب وجود مصانع صغيرة وسط الأحياء، تفقد المواطنين الشعورَ بالراحة نظرا للأصوات التي تصدرها الآلات الصناعية.
وطالب عدد كبير من البيضاويين داخل المقاطعات المذكورة الوكالة الحضرية، باعتبارها الجهة المشرفة على تصاميم التهيئة، بالامتناع عن منح تراخيص لإنشاء مصانع صغيرة داخل الأحياء السكنية.
وأثارت التصنيفات التي باتت تصدرها الوكالة الحضرية انتقادات واسعة، خاصة وأن ترخيص هذه الأحياء الصناعية يتم وسط مناطق تعرف كثافة سكانية كبيرة، إلى جانب وجود مؤسسات تعليمية ومرافق صحية، وهو ما يؤثر سلباوعلى جودة العيش الكريم.
ودعا عدد من المنتخبين بالدار البيضاء إلى مراجعة شاملة لتصنيفات الوكالة الحضرية، بما يتلاءم مع واقع المدينة الجديد، خصوصا بعد توسعها العمراني واندماج عدد من المناطق الصناعية القديمة في النسيج السكني.
ويطالب السكان الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، بالتدخل لإعادة النظر في وثائق التعمير التي ما تزال تعتمد معطيات تعود لعقود خلت، مؤكدين أن تحديثها أصبح ضرورة ملحة لتحقيق تنمية حضرية متوازنة تحفظ حقوق السكان وتستجيب لمتطلبات الاستثمار والعيش الكريم.
وأكد سعيد عاتيق، الفاعل الجمعوي والسياسي بمدينة الدار البيضاء، أن الوكالة الحضرية تضطلع بدور استراتيجي في توجيه التنمية العمرانية وتنظيم المجال الترابي، باعتبارها من أهم المؤسسات المكلفة بتحقيق التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والحفاظ على جودة الحياة داخل المدن.
وأوضح أن مهام هذه المؤسسة لا تقتصر فقط على إعداد وتتبع وثائق التعمير، بل تمتد إلى مواكبة المشاريع السكنية والاجتماعية والاقتصادية، والسهر على ملاءمتها مع خصوصيات كل منطقة من حيث البنية المجالية والهوية العمرانية والمقومات البيئية.
وأضاف عاتيق، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن الوكالة الحضرية مطالبة اليوم بأدوار تتجاوز التنظير والتخطيط على الورق، نحو تفعيل حقيقي لمبادئ العدالة المجالية والاستدامة الحضرية، مشيرا إلى أن الواقع الميداني في عدد من المناطق بالعاصمة الاقتصادية، كمنطقة سيدي معروف والأحياء المتاخمة لها، يكشف عن مفارقة واضحة بين الأهداف المعلنة والممارسات الفعلية.
وأوضح أن هذه المناطق تعرف تزايدا لوحدات صناعية وسط أحياء سكنية مكتظة، في غياب رؤية متكاملة تراعي التوازن بين النشاط الاقتصادي وراحة السكان. وهو ما يترتب عنه، حسب قوله، تداعيات بيئية وصحية واجتماعية متعددة، من قبيل الضجيج المستمر، وتلوث الهواء والمياه، والتشوه البصري الذي يطال المشهد العمراني العام.
وأكد أن هذه المظاهر تمثل مؤشرا على خلل في تنفيذ السياسات الحضرية، وتقصيرا في آليات المراقبة والتتبع بعد منح التراخيص.
وشدد عاتيق على ضرورة أن تتبنى الوكالة الحضرية، إلى جانب السلطات المحلية، مقاربة أكثر نجاعة في ضبط التوسع الصناعي داخل النسيج السكني، من خلال تعزيز المراقبة الميدانية، وتحيين وثائق التعمير بشكل دوري، لضمان انسجام الأنشطة الاقتصادية مع طبيعة المحيط السكني ومقتضيات الراحة البيئية للمواطنين.
كما دعا إلى إشراك الساكنة وهيئات المجتمع المدني في تقييم وتتبع السياسات الحضرية، معتبرا أن هذا التوجه من شأنه أن يخلق علاقة تشاركية قائمة على الثقة والشفافية، ويجعل من المواطن شريكا أساسيا في صياغة مستقبل مدينته وليس مجرد متلق لقرارات جاهزة.
وختم عاتيق تصريحه بالتأكيد على أن التنمية الحضرية الحقيقية لا تقاس بعدد المشاريع المنجزة أو كلفة الاستثمارات المرصودة، بل بمدى انعكاسها الإيجابي على جودة حياة السكان وصون حقهم في بيئة سليمة ومجال عيش آمن ومنظم، مبرزا أن المدينة الحديثة هي التي تحقق التوازن بين الاقتصاد والعمران والإنسان.
المصدر:
العمق