آخر الأخبار

المغرب يعتزم إرساء إصلاحات انتخابية بضبط معايير الترشح لمجلس النواب

شارك

في خطوة تشريعية وُصفت بأنها تمهيد لتحصين المؤسسة التشريعية من الممارسات التي تسيء إلى مصداقيتها صادق المجلس الوزاري على مشروع قانون تنظيمي يتعلق بمجلس النواب، يتضمن مقتضيات جديدة تهدف إلى تحسين شروط الولوج إلى هذه المؤسسة الدستورية. ويبرز في صلب هذا المشروع التنصيص الصريح على استبعاد كل شخص صدرت في حقه أحكام قضائية نهائية تتعلق بالفساد، أو الإخلال بسلامة العمليات الانتخابية، من الترشح للانتخابات التشريعية، باعتبار أن مثل هذه الأفعال تضعف الأهلية السياسية والأخلاقية للمترشحين؛ كما شدد العقوبات المرتبطة بالمخالفات الانتخابية، سواء خلال فترة الحملات أو أثناء عمليات التصويت والفرز، في محاولة واضحة لضمان نزاهة العملية وتعزيز ثقة المواطنين في من يمثلهم داخل البرلمان.

ويُنتظر أن يُحدث هذا القانون تأثيرًا نوعيًا في المشهد الانتخابي، من خلال إعادة ضبط معايير الترشح لمجلس النواب، بما يعكس إرادة الدولة في تخليق الحياة السياسية ومواجهة ظاهرة العود في ارتكاب المخالفات الانتخابية؛ فإلى جانب منع الأشخاص المدانين في قضايا تمس بنزاهة الانتخابات من الترشح يُتيح المشروع للسلطات المشرفة على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع القضاء، آليات أكثر صرامة للتدقيق في ملفات الترشيح، ما سيُعزز من شفافية المسار الانتخابي منذ بدايته. كما يتوقع أن يدفع هذا التشريع الأحزاب السياسية إلى مراجعة معايير اختيار مرشحيها، تفاديًا لأي تبعات قانونية أو سياسية، وهو ما قد يسهم في بروز نخب سياسية جديدة تتمتع بحد أدنى من المصداقية والانضباط القانوني. ويأتي هذا القانون في سياق عام يشهد تصاعد المطالب المجتمعية بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجديد النخب التمثيلية بما يتماشى مع تطلعات المواطن المغربي إلى برلمان نزيه وفعّال.

ورحبت فعاليات مدنية وحقوقية تحدّثت إليها هسبريس بهذه الخطوة، رغم أنها كانت تنتظر جرأة أكثر في هذا الموضوع وتفصيلًا أكبر، وقالت إنها ستنتظر الصيغة النهائية لهذا القانون لتقييمه بشكل كامل، معتبرة أن وضع معايير صارمة للترشح يمثّل تقدمًا مهمًا في مسار تخليق الحياة السياسية، لكنه يظل بحاجة إلى ضمانات عملية، ونصوص واضحة تمنع أي تأويلات قد تُفقد القانون فعاليته على أرض الواقع.

أحمد العلاوي، عضو جمعية عدالة، قال إن هذا القانون يُعتبر خطوة إيجابية في اتجاه تعزيز النزاهة والشفافية في الحياة السياسية، لكنه أشار إلى ضرورة مزيد من التوضيح والتفصيل في بعض النقاط، خاصة ما يتعلق بتحديد طبيعة الجرائم التي تستوجب المنع من الترشح، والجهة التي ستتولى عملية التحقق من سوابق المترشحين، مشددًا على أن فعالية القانون ستعتمد على دقة التنزيل وسلامة الإجراءات المصاحبة له.

وأضاف العلاوي، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ضمان نجاح هذا القانون يقتضي اعتماد آليات رقابة مستقلة وفعالة، وتوفير معطيات شفافة للرأي العام حول لائحة الأشخاص المشمولين بالمنع، تفاديًا لأي لبس أو تلاعب؛ كما دعا إلى ضرورة إشراك هيئات المجتمع المدني في تتبع مراحل تنفيذ القانون، مع التأكيد على أن تخليق الحياة السياسية لا ينبغي أن يقتصر على النصوص، بل يجب أن يُترجم إلى ممارسات مؤسساتية يومية تُعيد ثقة المواطن في العملية الانتخابية وفي ممثليه.

ويؤكد الفاعل الجمعوي المنتمي إلى جهة الشرق، في حديثه لهسبريس، أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في منع بعض الأسماء من الترشح، بل في إعادة بناء ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، وهو ما يستوجب إصلاحًا شاملًا للمنظومة السياسية، يشمل الأحزاب والقانون الانتخابي وآليات الرقابة.

وشدد المتحدث ذاته على أن محاربة الفساد السياسي ينبغي أن تتجاوز المعالجة القانونية إلى محاسبة حقيقية لمن استغلوا مناصبهم للإثراء غير المشروع أو خيانة الأمانة التمثيلية، داعيًا إلى نشر تقارير دورية عن نزاهة المترشحين ومصادر تمويل حملاتهم؛ كما اعتبر أن نجاح هذا القانون سيظل رهينًا بمدى استقلالية القضاء، وجرأة المؤسسات في فرض احترامه على الجميع دون انتقائية، مشيرًا إلى أن المواطن المغربي أصبح أكثر وعيًا، ولن تنطلي عليه الإجراءات الشكلية ما لم تُترجم إلى نتائج ملموسة.

سعيد البوزيدي، فاعل حقوقي في إقليم تاونات، قال إن مشروع القانون الذي صادق عليه المجلس الوزاري يمثل بادرة محمودة نحو تطهير المشهد السياسي من الممارسات التي أضعفت ثقة المواطنين في المؤسسات التمثيلية، وأوضح أن منع المفسدين من الترشح لا ينبغي أن يُنظر إليه كعقوبة فقط، بل كإجراء وقائي لحماية الديمقراطية من الانزلاق نحو الريع والفساد الانتخابي، وأضاف أن ساكنة المناطق المهمشة، كإقليم تاونات، كانت من أكثر المتضررين من ترشح أشخاص لا يمتلكون الكفاءة أو النزاهة، داعيًا إلى أن يكون هذا القانون مقدمة لإصلاح أوسع يُعطي الأولوية لمصلحة المواطن وصوت الناخب النزيه.

وزاد سعيد البوزيدي، في تصريحه لهسبريس، أن نجاح هذا القانون يتوقف على إرادة سياسية حقيقية في تفعيل مضامينه بشكل عادل وشامل، بعيدًا عن الانتقائية أو التوظيف السياسي، وأشار إلى أن إقليم تاونات شهد في محطات سابقة ترشح أسماء ارتبطت أسماؤها بشبهات فساد أو استغلال للنفوذ، ما أثّر سلبًا على جودة التمثيلية البرلمانية وعلى ثقة المواطنين في العملية الانتخابية برمتها؛ كما شدد على ضرورة مرافقة هذا القانون بإجراءات ميدانية فعالة، تشمل مراقبة التمويل الانتخابي، وضمان الشفافية في الترشيحات، وتفعيل دور القضاء بشكل فوري في الطعون، حتى لا يتحول النص القانوني إلى مجرد إعلان نوايا.

ويؤكد المتحدث ذاته أن من بين الجوانب التي تستحق الاهتمام في هذا النقاش ضرورة أن يشمل القانون أيضًا مراقبة الأداء البرلماني لما بعد الانتخابات، وليس فقط الشروط المرتبطة بالترشح، فبحسب رأيه لا يكفي منع المفسدين من دخول المؤسسة التشريعية، بل يجب تتبع عمل النواب المنتخبين، ومدى التزامهم بمهامهم الدستورية، ومدى احترامهم الضوابط الأخلاقية والمؤسساتية طيلة مدة انتدابهم، معتبرا أن من أبرز مظاهر الخلل التي تشهدها الحياة السياسية في المغرب هو غياب آليات تقييم دور البرلمانيين خلال ولايتهم، ما يفتح المجال أمام التسيب وانعدام المحاسبة؛ كما شدد على أهمية إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ هذا القانون، عبر تقارير دورية ورصد ميداني مستقل، يضمن عدم تحوّل هذه المقتضيات إلى شعارات فقط.

وأشار البوزيدي في ختام حديثه إلى أن مثل هذا القانون، رغم أهميته، يبقى مجرد لبنة أولى ضمن إصلاحات أعمق تهم شفافية العمل السياسي، وتقوية ثقة المواطن في مؤسساته المنتخبة، وهو ما يتطلب التزامًا حقيقيًا من كل الفاعلين، وليس فقط من الدولة.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا