في مدينة مراكش، حيث كان من المفترض أن تجد مئات الأسر المغربية ملاذها واستقرارها، تحول مشروع “بساتين الواحة” السكني من حلم طال انتظاره إلى كابوس يمتد لثماني سنوات.
فبعد أن استثمروا مدخرات حياتهم ودفعوا مبالغ مالية كبيرة، لا يزال مئات المستفيدين عالقين في دوامة من الانتظار والمعاناة، يواجهون مستقبلا غامضا وصمتا مطبقا من الجهات المسؤولة، دون أي جدول زمني واضح لتسليم شققهم.
معاناة إنسانية وأحلام مؤجلة
تتجاوز الأزمة مجرد تأخير في تسليم العقارات، لتتحول إلى مأساة إنسانية تؤثر على كل تفاصيل حياة المتضررين.
وفي هذا السياق، يروي أحد المستفيدين، في تصريح لجريدة “العمق”، حجم المعاناة اليومية قائلا: “دفعنا جميع المستحقات منذ سنوات، وما زلنا ننتظر استلام الشقق. الوضع أثر على حياتنا اليومية، الأولاد كيكبروا، وما عارفين شنو نديرو”.
ويضيف بنبرة يملؤها الأسى: “بغينا المسؤولين يتحركوا، راه كاينين ناس ضروفهم أصعب من ضروفي منهم لي كاريين وباقي متعطاهم حقهم”.
ويختزل هذا التصريح واقع العديد من الأسر التي تجد نفسها مضطرة لدفع إيجار شهري لمساكن مؤقتة، بينما تظل أموالها مجمدة في مشروع لم ير النور بعد.
وتجسد قصة إحدى المستفيدات الأخرى الشعور العام بالعجز والظلم، حيث تقول: “لقد سددنا جميع المستحقات ولم نر شيئا في المقابل. التأخير جعل أحلامنا تتبدد، وعشنا شعور العجز أمام مشروع كان من المفترض أن يكون بداية حياة مستقرة”. لقد تبخرت خطط المستقبل، وتحولت فرحة امتلاك منزل إلى مصدر دائم للقلق والإحباط.
احتجاجات متكررة وصمت رسمي
على مدار السنوات الماضيرة، لم يقف المتضررون مكتوفي الأيدي، بل نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية السلمية أمام مقر المشروع، وأمام المؤسسات الرسمية في المدينة، رافعين لافتات تطالب بحقهم المشروع في السكن. كما لجأ عدد منهم إلى القضاء، وقدموا شكايات متعددة للجهات المعنية، أملا في إيجاد حل.
لكن كل هذه التحركات لم تجدِ نفعا، إذ قوبلت بوعود متكررة لم تُنفذ، وبغياب تام للتواصل الفعال من قبل الشركة العقارية أو السلطات الوصية، حيث زاد هذا الصمت من تفاقم الأزمة، وترك المستفيدين في حالة من الضياع، دون أي معلومة واضحة حول مصير استثماراتهم ومستقبل أسرهم.
وما يزيد من مرارة الانتظار ويعمق الشعور بالظلم هو أن عددا محدودا من الأسر تمكن من استلام شققه، بينما لا يزال الأغلبية ينتظرون، حيث خلق هذا الوضع حالة من التمييز بين المستفيدين، وأثار تساؤلات حول المعايير التي تم على أساسها التسليم، وضاعف من إحباط الذين لم يحصلوا على وحداتهم بعد، وجعلهم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
ويرى مراقبون للشأن المحلي أن قضية “بساتين الواحة” ليست مجرد حالة معزولة، بل هي انعكاس لتحديات أوسع يواجهها قطاع العقار في مراكش والمغرب بشكل عام، حيث تسلط هذه الأزمة الضوء على ضعف آليات الرقابة والمتابعة، وغياب ضمانات حقيقية تحمي حقوق المواطنين من تعثر المشاريع أو تماطل الشركات.
ويؤكد هؤلاء على ضرورة تحقيق توازن دقيق بين تشجيع الاستثمار العقاري وضمان حقوق المستفيدين، عبر فرض قوانين صارمة تُلزم المطورين باحترام آجال التسليم وتقديم تعويضات في حالة الإخلال بالعقود.