في خطوة أثارت اهتماما واسعا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، رخص رئيس الحكومة لوزير الصحة والحماية الاجتماعية باللجوء إلى مسطرة الصفقات التفاوضية، من أجل تنفيذ برنامج إصلاح وتأهيل 91 مركزا استشفائيا بمختلف جهات المملكة. ويأتي هذا القرار في سياق اجتماعي حساس، تميّز بتصاعد احتجاجات شبابية تطالب بتحسين الخدمات العمومية، وفي مقدمتها قطاع الصحة.
الترخيص الاستثنائي، الذي يهدف إلى تسريع وتيرة الإصلاحات وتحقيق العدالة الصحية، أثار في المقابل تساؤلات حول مدى احترام معايير الشفافية والحكامة في تدبير هذه الصفقات. وفي هذا السياق، حذّر المحلل الاقتصادي محمد جدري من مغبة التلاعب أو غياب الوضوح في هذه العمليات، داعيا إلى اعتماد إجراءات واضحة وشفافة تعزز الثقة، وتحترم قواعد المنافسة والعدالة المجالية.
إقرأ أيضا: أخنوش يرخص لوزارة الصحة بإصلاح 91 مركزا استشفائيا عبر الصفقات التفاوضية
وأكد جدري ضمن تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن إطلاق وزارة الصحة لصفقة تفاوضية جديدة، بعد حصولها على إذن من رئيس الحكومة، يمثل استجابة أولية لمطالب الشباب والمجتمع، خاصة في ظل تصاعد الاحتجاجات التي شهدتها مدن مغربية مؤخرا للمطالبة بتحسين التعليم، وتجويد الخدمات الصحية، ومكافحة الفساد.
وأوضح المحلل الاقتصادي، أن قرار رئيس الحكومة بالسماح بإطلاق هذه الصفقات يعد خطوة إيجابية من حيث المبدأ، لكنه حذر من مخاطر التلاعب بهذه الصفقات في ظرفية اجتماعية دقيقة، مشددا على أن أي غموض أو تجاوز قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على السلم الاجتماعي.
في غضون ذلك، كشف مصدر من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لجريدة “العمق المغربي” عن تفاصيل وخلفيات اللجوء إلى “المسطرة التفاوضية” في صفقات تأهيل وتجهيز عدد من المستشفيات العمومية.
وأكد المصدر أن هذا القرار ليس عشوائيا، بل يعتمد على “واقع واضح يتمثل في حالة الاستعجال الصحي والوضعية الحرجة التي تعرفها مجموعة من المستشفيات”.
وأوضح مصدر الجريدة، أن الهدف الأسمى من اعتماد هذه المسطرة هو “تأهيل هذه المرافق في أسرع وقت، وضمان سلامة المرضى، والاستجابة لأزمة اجتماعية حقيقية على أرض الواقع”، واصفا الإجراء بأنه “استعجالي مؤطر، وعلني ومشروع”.
وشدد المصدر ذاته على أن هذا الإجراء يتوافق مع الإطار القانوني المعمول به، مشيرا إلى أن المادتين 87 و88 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية تنصان على إمكانية اعتماد المسطرة التفاوضية في الحالات التي “تستدعي التدخل السريع لضمان استمرارية المرفق العمومي”.
كما سجل أن المسطرة التفاوضية “لا تقصي الشفافية ولا المنافسة”، ويمكن تنفيذها داخل آجال مختصرة “لا تتجاوز عشرة أيام”.
وفي المقابل، دعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة احترام أربعة شروط أساسية لضمان شفافية هذه العملية. أولا، نشر تفاصيل الصفقة التفاوضية على الموقع الرسمي لوزارة الصحة، وتوضيح مضمونها بشكل شفاف للرأي العام. ثانيا، الكشف عن أسماء الشركات المعنية بالتفاوض، مع التحقق من استقلاليتها وعدم ارتباطها بأي جهة حكومية.
وفي النقطة الثالثة، شدد جدري على أهمية التفاوض مع شركات محلية داخل كل جهة من جهات المملكة، عوض الاقتصار على شركات مركزية، حفاظا على مبدأ الإنصاف المجالي ودعما للاقتصاد المحلي. أما النقطة الرابعة، فتمثلت في ضرورة نشر نتائج الصفقات بشكل مفصل، بما يشمل الكلفة المالية وأسماء الشركات المتعاقدة.
وتساءل المتحدث ذاته، حول أسباب استثناء جهة مراكش من هذه الصفقة، في حين شملت جهات أخرى، معتبرا أن هذا الأمر يطرح علامات استفهام ينبغي على وزارة الصحة والجهات الوصية تقديم توضيحات بشأنها.
وأشار جدري إلى أن المرحلة الحالية التي ترفع شعار محاربة الفساد، تقتضي تعاملا أكثر حزما وشفافية في كل ما يتعلق بالصفقات العمومية، خاصة تلك التي تهم قطاعات اجتماعية حيوية مثل الصحة.