اعتبر مراقبون أن الرسالة التي بعث بها زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوم الإثنين، تمثل محاولة يائسة للتأثير على مجلس الأمن الذي يستعد لمناقشة ولاية بعثة المينورسو، وتعكس حجم المأزق الذي تعيشه الجبهة نتيجة للنجاحات الدبلوماسية المغربية المتتالية. وأشار مصدر إعلامي التابع للجبهة إلى أن الرسالة تتضمن مقترحا موسعا، وصفه محللون بأنه ليس سوى إعادة تدوير لأطروحات متجاوزة تجاوزتها الوقائع والقرارات الأممية الأخيرة التي تشيد بواقعية وجدية مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب.
وأوضح المصدر ذاته أن المقترح الجديد المزعوم، الذي يأتي كرد فعل على دعوة مجلس الأمن في قراره 2756 للطرفين بتوسيع مواقفهما، يتمحور مجددا حول خيار الاستفتاء الذي ثبت على مدى عقود عدم قابليته للتطبيق. وذكرت الرسالة، وفقا لما أورده المصدر، بالمقترح الذي قدمته الجبهة في عام 2007، متجاهلة المسار الذي اتخذه الملف منذ ذلك الحين، والذي كرس مبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد جاد وذي مصداقية لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
وربط محللون هذه الخطوة بالضغط المتزايد الذي تشعر به الجبهة الانفصالية مع اقتراب موعد استحقاق مجلس الأمن، في سعي منها للظهور بمظهر الطرف المستعد لتقديم تنازلات، وهو ما يناقض تمسكها بشروط متجاوزة. وأكد المصدر الإعلامي للجبهة أن زعيمها عبر عن استعداده لتقاسم “فاتورة السلام”، في لغة اعتبرها المتتبعون محاولة لاستدرار عطف المجتمع الدولي في وقت تتزايد فيه الأصوات الداعمة للحل السياسي الواقعي الذي يمثله المقترح المغربي.
وأضاف المصدر أن الرسالة شددت على إيمان الجبهة بإمكانية التوصل إلى حل سلمي إذا توفرت الإرادة السياسية للابتعاد عن “الحلول القائمة على الوضع الراهن”، في إشارة اعتبرها كثيرون هروبا إلى الأمام وتجاهلا للمكاسب التي حققها المغرب على الأرض وفي المحافل الدولية. واعتبرت الرسالة، حسب المصدر، أن تحقيق السلام يتطلب “الشجاعة السياسية” للعمل معا، وهو ما يتناقض مع استمرار الجبهة في التمسك بأطروحة انفصالية لم تعد تجد لها صدى في الواقع الجيوسياسي للمنطقة.
وخلص المصدر إلى أن زعيم الجبهة جدد استعداده للدخول في مفاوضات مباشرة وجادة مع المملكة المغربية، وهو ما اعتبره مراقبون مناورة سياسية مكشوفة تهدف إلى خلط الأوراق قبل قرار مجلس الأمن، وخطوة لا تعدو كونها “رقصة الديك المذبوح” التي تعبر عن فقدان البوصلة والعزلة السياسية والدبلوماسية التي تعاني منها الجبهة الانفصالية وداعموها.
وفي هذا السياق، اعتبر عبد الوهاب الكاين، الناشط الحقوقي والمهتم بالشأن الصحراوي، أن البيان الأخير لجبهة البوليساريو حول تقديم مقترح جديد لحل النزاع ليس مفاجئا، بل يمثل مناورة جديدة للجزائر والجبهة للتنصل من الضغط الدولي الجارف الذي يدفع نحو إنهاء الصراع الممتد لخمسة عقود. وأوضح الكاين، في تصريح لجريدة “العمق”، أن هذه الخطوة تأتي في سياق اقتناع متزايد لدى غالبية مكونات المنظومة الأممية برجاحة ومصداقية مقترح الحكم الذاتي المغربي وقابليته للتطبيق.
وأشار المصدر ذاته إلى أنه ليس غريبا أن يكون بيان البوليساريو مستنسخا من مئات الوثائق التي أنتجتها الجزائر سابقا ومررتها عبر دول حليفة لها في الأمم المتحدة، وذلك للإيحاء بوجود دعم دولي لمواقفها وتخفيفا للضغط الناتج عن نجاح الدبلوماسية المغربية. وأضاف أن ما قدمته الجبهة تحت عنوان “مقترح من أجل حل سياسي مقبول من الطرفين” هو في جوهره محاولة لعرقلة أي حل لا يضمن امتيازات استراتيجية للجانب الجزائري، وعلى رأسها التحكم في أراض مطلة على المحيط الأطلسي.
وأكد الناشط الحقوقي أن إرادة البحث عن حل سياسي بحسن نية وبدون شروط مسبقة، وفقا لمنطوق القرار 2756، ستؤتي ثمارها فقط متى توافرت الإرادة لدى الطرف الجزائري وكشف عن موقعه الحقيقي من الصراع. وتساءل المصدر عما إذا كانت الجزائر طرفا رئيسيا أم مجرد حاضن للمخيمات، وهو ما لا يستقيم مع تدخلها في جميع تفاصيل النزاع، بما في ذلك اختيار المشاركين في دورات مجلس حقوق الإنسان لتسويق أخبار زائفة.
وجزم الكاين بأن هذه الخطوة تأتي استمرارا لمسلسل عرقلة الجزائر لجهود الأمم المتحدة، بدءا من إفشال عملية تنظيم الاستفتاء وعملية تحديد الهوية، ومحاولات إغراق اللوائح بآلاف الأشخاص من غير المنتمين للصحراء. وذكر المصدر بأن عروض سابقة، كمقترح التقسيم الذي قدمه الرئيس بوتفليقة، والتلويح الآن بالمفاوضات الفورية، ما هي إلا نداءات استغاثة في الوقت الضائع وسط سياق دولي داعم للمسار السياسي الرصين للمملكة المغربية.
وتابع المصدر أن هذه المناورات لن تجدي نفعا ما لم تستجب الجزائر لرغبة المجتمع الدولي وتلتزم الحياد، لترك المجال لجمع شمل الصحراويين على أرضهم في إطار السيادة المغربية. وشدد على أن الحل يكمن في المقترح المغربي للحكم الذاتي الذي يجد مسوغاته في القانون الدولي ويحظى بإجماع الصحراويين أنفسهم، باعتباره أساسا لبناء السلم والاستقرار في المنطقة.