استمعت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، أمس الخميس، إلى مرافعة دفاع سبعة متهمين في واحد من أبرز ملفات الفساد المالي والإداري بإقليم زاكورة، والمتعلق بجماعة أولاد يحيى لكراير، في حين قررت الهيئة القضائية تأجيل الإستماع إلى مرافعة دفاع رئيسين سابقين للجماعة ذاتها، ومقاول إلى غاية الـ30 أكتوبر الجاري.
ويتابع في هذا الملف عشرة متهمين، من بينهم ثلاثة رؤساء سابقين للجماعة، أحدهم نائب برلماني سابق، إلى جانب ثلاثة مقاولين وموظفين بعمالة زاكورة، بتهم تتعلق بـ“تبديد واختلاس أموال عمومية” و“التزوير في محررات رسمية واستعمالها”.
ووفق المعطيات التي حصلت عليها جريدة “العمق المغربي”، فقد شهدت الجلسة الأخيرة الاستماع إلى بعض الشهود وعدد من المتهمين قبل أن تمنح الكلمة لدفاع الأطراف لتقديم مرافعاتهم الختامية، ليعلن بعدها رئيس الجلسة عن إدخال الملف إلى المداولة.
وتأتي هذه المرحلة الختامية بعد سلسلة من الجلسات امتدت لعدة أشهر، أعقبت الأحكام الابتدائية الصادرة أواخر سنة 2024، والتي قضت بإدانة عدد من المتهمين بعقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، بناء على معطيات كشفت عن اختلالات في تدبير مشاريع تنموية بالجماعة، أبرزها مشروع الماء الصالح للشرب الذي تجاوزت كلفته 300 مليون سنتيم، وتضمن تقارير بخصوصه مؤشرات قوية على تلاعبات مالية وإدارية.
وتعود تفاصيل هذه القضية إلى سنة 2018، حين تقدّم عضوان من المجلس الجماعي لأولاد يحيى لكراير بشكاية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، يتهمان فيها رئيس الجماعة آنذاك باختلاس أموال عامة وتبديد اعتمادات مالية مخصصة لمشاريع لم تنجز، ما دفع النيابة العامة إلى فتح تحقيق أسفر عن متابعة عدد من المسؤولين والمقاولين والموظفين.
وكشفت الأبحاث عن اختلالات في الصفقات وسندات الطلب تخص مشاريع تنموية مختلفة، من ضمنها مشروع للطاقة الشمسية لتزويد الساكنة بالماء الشروب في إطار مشروع ملكي لمحاربة الجفاف، فضلا عن مشاريع رياضية وثقافية موجهة للشباب ضمن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وكانت المحكمة الابتدائية المختصة في جرائم الأموال بمراكش قد قضت، في مرحلة أولى، بإدانة الرئيسين السابقين للجماعة بسنتين حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 30 ألف درهم لكل واحد منهما، فيما أدين ثلاثة متهمين آخرين بسنتين حبسا نافذا مع إيقاف تنفيذ سنة واحدة وغرامة 20 ألف درهم، إلى جانب متهمين اثنين بسنة واحدة حبسا نافذا وغرامة 10 آلاف درهم لكل واحد.
كما قضت المحكمة في الشق المدني بإلزام المتهمين بأداء تعويض تضامني لفائدة الجماعة قدره 200 ألف درهم، مع تحميلهم المصاريف القضائية والإكراه في الحد الأدنى.
وترى فعاليات مدنية وحقوقية مهتمة بالشأن المحلي بإقليم زاكورة، أن إدخال الملف إلى المداولة يمثل مرحلة حاسمة في مسار قضية شغلت الرأي العام المحلي لأزيد من ست سنوات، بالنظر إلى طبيعتها المرتبطة بتدبير المال العام ومسؤولية المنتخبين في إنجاز المشاريع التنموية.
وتعتبر الفعاليات ذاتها، أن هذه القضية تندرج في سياق وطني أوسع يشدد على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما جاء في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، الذي دعا فيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده على “تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة بتدبير المصلحة العامة، على أساس النزاهة والشفافية والمحاسبة”.
من جهة ٱخرى، عبّرت الفعاليات المذكورة عن ثقتها في القضاء المغربي من أجل وضع حد لما وصفته بـ“شبكات ولوبيات الفساد” بإقليم زاكورة التي استفادت من مشاريع “على الورق فقط”، مؤكدة أن الوقت قد حان لمحاسبة المتورطين في قضايا سوء التدبير وتبديد المال العام، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي يأمل المتتبع الزاكوري أن تفرز نخبا جديدة تلتزم بالشفافية والوضوح.
كما لفتت المصادر نفسها إلى أن عددا من الملفات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي لا تزال قيد النظر أمام المحاكم، من بينها ملفات تتعلق بـ“ترقية موظفين بدون مباراة” ومشروعي “الواد الحار” و“الحزام الأخضر” بمدينة زاكورة، إلى جانب الملف الأخير لرئيس جماعة ترناتة المحكوم بالسجن، والذي ارتبط هو الآخر باختلالات مالية وإدارية في تدبير مشاريع جماعية ممولة من المال العام.
وخلصت المصادر عينها، إلى أن وصول هذه الملفات إلى ردهات المحاكم، دليل واضح على التوجه الحازم للدولة في مواجهة كل أشكال الفساد وسوء التدبير، في إطار ترسيخ دولة الحق والقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، انسجاما مع التوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز الثقة في المؤسسات وتكريس الحكامة الجيدة كشرط أساسي للتنمية المحلية المستدامة.