آخر الأخبار

جنوب إفريقيا بعد "الأبارتايد" .. الاستثمار وملاعب الغولف يطردون الفقراء

شارك

يتم ترحيل نساء وأطفال من أحياء عشوائية قديمة شاطئية وسط المدينة إلى مناطق هامشية قروية في جنوب إفريقيا. بعد أن ذاق الفقراء نعمة الانتقال من البدو إلى المدن يتم إرجاعهم إلى فضاءات تذكرهم بالعالم الآخر (Mother City 2024 من إخراج Pearlie Joubertو Miki Redelinghuys). عرض الفيلم ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة 18 للمهرجان الدولي للمرأة بمدينة سلا المنعقدة بين 22 و27 شتنبر 2025.

كيف تكشف السينما الفوارق الطبقية في لقطة واحدة؟

كانت مساحة أرض ملعب الغولف حيث يلعب عشرات الأشخاص هي أضعاف مساحة الحي حيث يسكن آلاف الأشخاص. الحياة في الزحام جحيم. يفسد البؤس جماليات المدن.

الحل؟ تقضي الأيديولوجيا العقارية البرجوازية بإبعاد الفقراء من المواقع الجميلة لأنها فوق ذوقهم وميزانياتهم. هذه وقائع لم يبتكرها الذكاء الصناعي.

الأرض موضوعا للنزاع. المدينة الأم لمن يملك. الصراع حول الأرض أشد من الصراع حول الذكاء الصناعي. لتغيير هذه اللاعدالة يخرج بضعة رجال ومئات من النساء، الشعب ضد المقاول. الجيش في صف المقاول.

عرض الفيلم سياسة تدبير التراب والتحولات العقارية، فوجئ السكان بقرارات تدبير الأراضي في مواقع استراتيجية في مدينة شاطئية في جنوب إفريقيا. تم تفويت العقار للمقاول.

ما هي معايير الاستفادة من المجال؟

أباطرة العقار والمقاولون الذين يعِدون في وصلات الإعلان ببناء فدروس أرضي، أي شقق فخمة. ومصير الفقراء؟ سيتم إجلاؤهم إلى الهوامش القروية.

كيف يحصل هذا؟

يتم تدبير المجالات الترابية فتباع وتقسم وتبنى. يملك المقاول وسائل التأثير على القرار الترابي لتوجيهه لصالحه. يملك شبكة متينة من علاقات الزبونية. ولا يكتشف ذلك إلا من تحقق له القرب الجغرافي.

هذا فيلم نضالي يتكلم عن العالم، يتكلم مع العالم عن اللاعدالة العقارية. حركة يقودها ويصورها شاب في العشرينات. وهذا ليس حكرا على جنوب افريقيا.

في المغرب تم تغيير مسار طريق سيار لتمر بمحاذة أرض وزير، وحده غوغل أعزه الله كشف في 2014 تغيير مسار طريق سيار في المغرب لتصير محاذية لأرض مساحتها 62 هكتارا يملكها وزير في ضواحي الدار البيضاء. مرت الطريق من أراضي فلاحين فقراء.

تمّ ذلك باسم وثيقة أعدها والي الدار البيضاء حينها واسمها “الأولويات لإنقاذ الدار البيضاء”. من ماذا؟ عمليا تم جعل الوزير أغنى من قارون. هذه نتيجة قوانين مصممة لصالح الأقلية. تجري هذه المقالب في كل بلدان العالم.

يُحدث الفيلم تأثيرا حين يجد المُشاهد صِلة بين ما يراه وما يعيشه في بلده. هكذا تُحقّق المحاكاة فِعلها. يستهلك السكن قدرا كبيرا من ميزانيات الأسر. للعقار والخبز بعد سياسي رهيب.

دخل الجيش المسلح لإجلاء المعتصمين، ظهرت الكمامات وبدأ سقف طلب المناضلين المحتجين هو الحصول على الطعام… تسبب حجر كورونا في وقف الحِراك. ارتاحت السطلة والمقاول. لعب الزمن ضد الحركة الاحتجاجية. تم نقل المعركة نحو قاعات المحاكم. صار النضال قانونيا.

صُور الفيلم بدون مقاربة أسلوبية، يبدو عمل الكاميرا أشبه بدورها في ربورتاج. لكن طول مدة الأحداث وتصويرها لمدة تسع سنوات سمح بانتقاء واستخراج اكثر من مائة دقيقة كثيفة… مر الزمن فعليا ووقع تغيير… في الفيلم الوثائقي يتم التقاط اللحظة الحاسمة وتوثيق الوضع البشري البئيس أهم من جمالية الصورة.

هذا اكتظاظ شديد في أحياء الفقراء، هذا البؤس ليس تمثيلا بل واقع معاش. تعليقا عليه في المناقشات طرح السينمائي المغربي بوشتى فارقزايد سؤالا أخلاقيا: هل يحق للمخرج في الفيلم الوثائقي توظيف معاناة إنسان للتشهير به وللحصول على الشهرة؟

هل الأرض للشعب أم للمقاول؟

انطلقت مسيرة شعبية في مواجهة خصْخصة الفضاءات العامة قرب البحر وسط المدن وترحيل السكان، يردد الشباب شعار:

“أمي طباخة وأبي بستاني لذلك أنا اشتراكي”. أي عدو العقار الخاص.

يطالب المحتجون بتدبير الممتلكات العقارية العمومية بدل خوْصصتها. هذه جنوب افريقيا في زمن ما بعد نيلسون مانديلا، وما بعد مونديال 2010. أسَر سوداء في أحياء هامشية فقيرة… لا يوجد بيض هنا.

لقد سقط نظام الأبارتايد، لكن قوانين تدبيره للمجال العقاري مازالت سارية لخصخصة الأرض العمومية وحماية ملاعب الغولف واقتلاع سكان الشواطئ الفقراء للقذف بهم نحو أحياء هامشية قروية… هذه لا عدالة مجالية موروثة عن النظام البائد.

بعد هزم العنصرية العِرقية جاء دور العنصرية المجالية ضد المستثمرين العقاريين. المقاول السمسار يُمكن أن يهزم. كيف؟

الكاميرا تعطي الكلمة والصورة للشعب. إذا افترضنا أن حضور الكاميرا قد شجع الناس على الاستمرار في الاحتجاج وكبح الشرطة فذلك يعني أن الفن السينمائي قد ارتقى من كونه مرآة للواقع إلى كونه فاعلا في التغيير وتحقيق النهاية السعيدة.

لماذا نحب النهايات السعيدة؟ جواب ميشيل فوكو:

“لأن اليوتوبيات تعزّينا” (الكلمات والأشياء.. ص 22)، حتى لو كانت لا تملك مكانا حقيقيا.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا