اعتبرت قراءات محللين وسياسيين مغاربة، الثلاثاء، أن الاحتجاجات الأخيرة لشباب “جيل زد” بالمغرب “نبّهت إلى إشكالية هيمنة السلطات العمومية بالفضاء العمومي، والتي بدأت تتبلور منذ الإغلاق، خلال فترة كوفيد 19″، مؤكدة أن “الخطاب الملكي خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة تفاعل بشكل صريح مع المطالب الشبابية”.
ورأت هذه القراءات، المقدّمة خلال ندوة تساءلت فيها الشبيبة الاشتراكية (الذراع الشبابية لحزب التقدم والاشتراكية) عن كيفية “تحويل مطالب الشباب إلى برامج ومشاريع عملية”، أن “الاحتجاجات المذكورة كانت محطة ساءلت شرعيات الحكومة الثلاث: الانتخابية والأخلاقية وعلى صعيد الكفاءة”، عادة أن “المدخل الحقيقي لأي إصلاح يتم عبر المؤسسات والآليات الديمقراطية؛ في مقدمتها الانتخابات”.
عبد الحميد بنخطاب، رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، أوضح أن “من بين قيم الديمقراطية الحق في الاحتجاج والتظاهر”، مستدركا بأنه في سياق الاحتجاجات الأخيرة “نتفاجأ بأنه يتم تأويل هذا الحق لصالح الاستقرار والأمن العام”.
وأضاف بنخطاب، في مداخلته خلال الندوة، أن “الاستقرار والأمن العام مسائل يجب أن تكون من أولويات رجال الأمن وليس الشباب، حيث يتعيّن على السلطات الأمنية العمل على حماية الأخيرين من المندسين مثيري الشغب”، متسائلا: “كيف يمكن رهن احتجاج برخصة؛ ما قد يدفع إلى انتظار أربعة أشهر مثلا حتى يقرر العامل أو الوالي الترخيص، وحينئذ يكون قد امتص الغضب”.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط: “منذ كوفيد 19 إلى اليوم، لاحظنا تغولا للسلطة العمومية (..) لأن الدولة حينما تحتل فضاءات لا تتخلى عنها عادة”.
ولفت رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية إلى أن “الفضاء العمومي كان، مبدئيا، ساحة لاحتجاج؛ فأصبح، مع هذه الكارثة العالمية، ساحة فقط للسلطات العمومية”.
وأبرز بنخطاب أن “للأحزاب دورا كبيرا يجب أن تلعبه في تأطير التعبيرات الشبابية”، مشددا على أنه “لا ينبغي في الآن نفسه تأطير الفعل السياسي المستجد الذي بات يتخذ شكل الغناء أحيانا، بأساليب قديمة”، وأنه “لا مانع في ظل هذا السياق من توفر كل حزب على فرقة موسيقية “رسمية” و”رابور”؛ لأن الشباب غادر الفضاءات التقليدية إلى فضاءات جديدة للتعبير والفعل السياسي”.
يونس بلعايدي، المنسق الوطني للقطاع الطلابي لحزب التقدم والاشتراكية، سجّل أن “احتجاجات “جيل زد” “جاءت في بعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة أكادير، إثر تسجيل 8 وفيات في مستشفى الحسن الثاني بالمدينة ذاتها، وفي سياق كانت فيه الحكومة منفصلة عن الواقع وتتغنى بجودة الخدمات التعليمية والصحية”.
وأضاف بلعايدي، في مداخلته خلال الندوة ذاتها، أن النقاشات المجتمعية بشأن واقع قطاعات الصحة والتعليمة والتشغيل، التي جمعت وتجمع شباب جيل “زد” على منصة “ديسكورد”، “بيّنت أن الشباب قادر على المساهمة في النقاش العمومي واقتراح بدائل عملية”، في “وقت تعاني فيه هذه الفئة العمرية من المحدودية في السياسات والبرامج الحكومية”.
وأجمل المنسق الوطني للقطاع الطلابي لحزب “الكتاب” مكتسبات حركة “جيل زد” في أربعة هي “اقتحام الشباب الفضاء العمومي”، و”فتح الإعلام العمومي في وجههم”، واحتضان “الحركة من طرف جميع فعاليات وقوى المجتمع”، فضلا عن “الإقرار بمشروعية مطالب جيل “زد” وبضرورة الاستجابة إليها”.
كما خلصت نقاشات جيل “زد”، وفق المتحدث ذاته، إلى “انعدام الشرعيات لدى هذه الحكومة؛ فشرعيتها الانتخابية مطعون فيها، وكذلك الأخلاقية بفعل تضارب المصالح، فضلا عن شرعية الكفاءة والفعالية، فحين نتحدث عن رئيس الحكومة الحالي، فهو كان وزيرا للفلاحة لمدة أربع عشرة سنة، لكننا اليوم أمام أزمة ندرة للمياه، مقابل انتعاش التصدير للمنتوجات الفلاحية”.
بدوره، قال رشيد روكبان، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن “البعض اعتبر أن الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحالية قد تجاهل الاحتجاجات الأخيرة لجيل “زد”؛ لكن هذا الخطاب تضمّن في الواقع تفاعلا صريحا مع المطالب المعبر عنها من قبل الشباب، ذات الطبيعة الاجتماعية من الصحة والتعليم والعدالة المجالية”.
وبخصوص ترجمة هذه المطالب إلى مشروع، أضاف روكبان، في مداخلته، أنه “لا يمكن التعويل على الحكومة لتحويلها إلى واقع؛ فهي عاجزة من حيث الإرادة والإمكانيات والقدرات. هي حكومة تدبر الشأن العام بمنطق تجاري صرف، تتكون من رجال أعمال يفكرون بمنطق البيع والشراء؛ الربح والخسارة”.
ولا يرى عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إمكانية التغيير بتجاوز الأحزاب والمؤسسات والانتخابات؛ “فهذه المؤسسات المنبثقة عن آليات ديمقراطية تعبر عن الثابت الرابع من ثوابت المملكة، وهو الثابت الديمقراطي”.
وأكد المتحدث نفسه أن “المغرب يحتاج إلى نفس ديمقراطي جديد، فليس من سبيل لتحقيق هذا المشروع إلا انتخابات نزيهة وذات مصداقية”، مشددا على أن “الأحزاب معنية بهذا المشروع”، لافتا أن إشكالية عزوف ثلثي من يحق لهم التسجيل في اللوائح الانتخابية عن التصويت.
وخلص روكبان إلى التأكيد على أن “أول مدخل حقيقي للإصلاح هو ثورة ديمقراطية في الانتخابات، من خلال اقتحام الشباب للأحزاب التي تضع بالفعل نصب أعينها مقاربة نحو الدولة الاجتماعية الحقيقية، وقبل ذلك التسجيل في اللوائح الانتخابية”.