قال عبد الله بوصوف، الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، إن خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي في أكتوبر 2025 شكّل نقلة نوعية في الممارسة السياسية ومؤشرًا على مرحلة جديدة من الواقعية السياسية، حيث أعاد التأكيد على مركزية المواطن في قلب السياسات العمومية، مستحضرا ست إشارات صريحة إلى قضايا المواطنين في مجالات الحقوق، والتأطير، وتحسين ظروف العيش، والدفاع عن المصالح العليا للوطن.
وأضاف بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس بعنوان “مغرب مبادرات التنمية الترابية وفرصة التحول الكبير”، أن الربط بين خطابي العرش وافتتاح البرلمان عكس البعد الاستشرافي للخطاب الملكي، وعمّق الدعوة إلى تنزيل جيل جديد من برامج التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة التفاوتات المجالية والاجتماعية، عبر اعتماد ثقافة النتائج، وتغيير العقليات، والاعتماد على الأرقام والتكنولوجيا الرقمية في صياغة السياسات العمومية.
كانت الإشارة إلى خطاب العرش في يوليوز 2025 في معرض خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر الجاري، إحالة عميقة ودالة على القراءة الجيدة والبُعد الاستشرافي الذي تتميز به كل الخطابات الملكية السامية.
فلا مكان اليوم أو غدا لمغرب يسير بسرعتين؛ لم يكن شعارا للاستهلاك الإعلامي والسياسي بقدر ما كان يحمل نَفَس “ثورة هادئة”، ودعوة لتنزيل جيل جديد من برامج التنمية والعدالة الاجتماعية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية.
كما أن الخطاب ذاته حدد بدقة جراحية مكامن الأعطاب الاجتماعية، وفي مقدمتها الشغل، وقطاع الرعاية الصحية، والتربية والتعليم. ونبّه إلى ضرورة استحضار نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، وما حمله من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، في كل السياسات العمومية.
في الوقت نفسه، ذَكَّر الخطاب بموعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري القانوني العادي.
أعتقد أن واقعية خطاب العاشر من أكتوبر الجاري اقتضت ذلك الربط والتذكير بخطاب ملكي سامٍ آخر. كما اقتضت التذكير بمسؤولية الجميع في النهوض بهذا الوطن بكل تحدياته ومعيقاته وأعطابه، وأن المغرب الصاعد سيواصل، من جهة، استكمال برامجه الاستراتيجية التي تضمن له موطئ قدم في خرائط عالم التحالفات الجيو-استراتيجية، ومن جهة ثانية اعتبار تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية برامج استراتيجية ورهانات مصيرية تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني.
فواقعية خطاب أكتوبر الجاري حملت نقلة جديدة، بعيدا عن كل انفعال عاطفي أو رد فعل مرحلي، وجعلت من المواطنين المبتدأ والخبر؛ إذ تم ذكرهم ستّ مرات (في الدفاع عن قضايا المواطنين… وتحسين ظروف عيش المواطنين… ولتأطير المواطنين… وتهم حقوق وحريات المواطنين… ولأنكم تمثلون المواطنين… وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين…).
الواقعية في مضمون الخطاب تعني استفادة الجميع من ثمار النمو، وتكافؤ الفرص بين جميع أبناء المغرب الموحد. كما تعني وتيرة أسرع، وأثرًا أقوى للجيل الجديد من برامج التنمية الترابية.
أما النقلة الواقعية الأخرى للخطاب، فهي السعي للتحول الكبير المرتبط بتغيير العقليات وطريقة العمل، والترسيخ لثقافة النتائج، بالاعتماد على لغة الأرقام والتكنولوجيا الرقمية.
لكن، ونحن نحاول قراءة خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر 2025، وما سبقه من احتجاجات شبابية من أجل تجويد قطاعات اجتماعية كالصحة والتعليم، وما رافق تلك الاحتجاجات من اختراقات وخروقات، ومن سقف الانتظارات أيضًا، لا بد من الإشارة أولّا إلى ضرورة إعادة قراءة خطاب العرش لسنة 2025، وثانيا إلى ضرورة الإمعان في دلالات أول خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 1999. وتحديده لعلاقة المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية الأخرى؛ إذ جاء فيه: “… وبالنسبة للمؤسسات الدستورية، فإننا سنقوم بدور الموجّه المرشد والناصح الأمين والحكم الذي يعلو فوق كل انتماء…”.
لقد كان ختام الخطاب مِسكًا قرآنيًا: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره”، وأن موعد نتائج الانتخابات القادمة ناظره لقريب.