قال محللون اقتصاديون إن ارتفاع مبيعات الإسمنت لتفوق 10,86 مليون طن عند متم شهر شتنبر 2025، أي خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، بزيادة بنسبة 10,61 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024، “لا ينعكس بالضرورة على البنايات السكنية”، مؤكدين أن “هذا الارتفاع مرتبط أساسا بورشات البنية التحتية الكبرى، ولذلك لا يسند دائما تقوية العرض العمراني المخصص للسكن في المغرب”.
وأفادت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في مذكرتها الشهرية حول تطور مبيعات الإسمنت، بأنه حسب الفئات، بلغت المبيعات الموجهة للتوزيع 5,96 مليون طن، تلتها تلك الموجهة للخرسانة الجاهزة للاستخدام بما يناهز 2,71 مليون طن، ثم للخرسانة المعدة مسبقا بما يعادل 1,11 مليون طن، والبنية التحتية (704.345 طنا)، والبناء (311.626 طنا) والملاط (49.127 طنا).
إدريس الفينة، محلل اقتصادي، قال إن “هناك عددا كبيرا من المشاريع في المغرب، ليست جميعها مرتبطة بقطاع السكن مباشرة، بل هناك مشاريع متعلقة بالبنية التحتية مثل المستشفيات، الموانئ، المطارات، السكك الحديدية، ملاعب كرة القدم، وغيرها من المنشآت الكبرى”، مشيرا إلى أن “كثيرا من هذه المشاريع يقع في مناطق تعرف توسعا سكانيا كبيرا”.
وأضاف الفينة، في تصريح لهسبريس، أن “علاقة الإسمنت والمشاريع الموجهة للسكن تبين أن فضاءات الإقامة لا تُمثل دائما النسبة الأكبر من حيث الحجم، وإن كانت تعرف نوعا من التزايد في مناطق معينة، إلا أن هذا التزايد ليس كبيرا جدا”.
وأوضح المتحدث أنه “بحسب المعطيات المتوفرة لدينا، ودون الاستناد فقط إلى استهلاك الإسمنت، يمكن القول إن هناك دينامية واضحة وملحوظة في توفير عقارات مخصصة للسكن، غير أن مجموعة من العوامل تجعل الأسعار مرتفعة”، موردا أن “أول هذه العوامل يتمثل في المنافسة القوية، إضافة إلى تعدد المؤثرات في القطاع، وعلى رأسها سعر الأرض، باعتباره عنصرا أساسيا في تحديد تكلفة المشاريع العقارية”.
واسترسل الفينة قائلا إن “جميع المدخلات في قطاع البناء شهدت زيادات: من أجور اليد العاملة، إلى مواد البناء، ثم الطاقة، والنقل، وغيرها”، مستدركا في الآن ذاته بأن “المنتج النهائي، أي السكن، لا يعكس دائما هذه الزيادات بالشكل المتوقع في الأسعار”.
وتابع المحلل الاقتصادي ذاته مبينا أن “هوامش الربح لدى المنعشين العقاريين تقلّصت بشكل كبير، فبينما كانت في السابق تصل إلى 30 أو 25 في المائة، فقد تراجعت اليوم إلى نحو 5 في المائة فقط”، مشيرا إلى أن “هذا التراجع دفع بعض المستثمرين إلى مغادرة القطاع أو البحث عن بدائل استثمارية”.
وأجمل الفينة تصريحه بالتأكيد على أن “ما يمكن استنتاجه هو أن ارتفاع استهلاك الإسمنت لا يعني بالضرورة وجود ارتفاع موازٍ في بناء السكن، لأن جزءا كبيرا من هذا الاستهلاك موجه نحو مشاريع البنية التحتية والمباني العمومية والخاصة، وليس نحو الوحدات السكنية فقط”، مضيفا أن “الدولة بدورها تفرض ضرائب مرتفعة على السكن، تصل أحيانا إلى 35 في المائة، مما يشكّل عبئا إضافيا”.
عبد الخالق التهامي، محلل اقتصادي، قال هو الآخر إن “ارتفاع مبيعات الإسمنت لا يعكس بالضرورة انتعاشا في سوق بيع السكن”، موضحا أن “الأمر يرتبط أساسا بورشات البناء الكبرى، مثل الطرق، والمصانع، والمستشفيات، وغيرها من الأشغال العمومية، مع توجيه بعض منها للبنايات المخصصة للسكن فعلا”.
وأضاف التهامي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك بناء كثير جدا، خاصة في بعض المدن، لكن هذا لا يعني أن هذه المساكن التي يتم بناؤها تدخل إلى سوق البيع”، مشيرا إلى أن “جزءا كبيرا من هذه المباني يُنجز كمساكن ثانوية، أو يتم اقتناؤها من قبل مغاربة مقيمين بالخارج، أو حتى من طرف أجانب في بعض المدن”، وبالتالي “ليس كل بناء يتم بالضرورة بهدف البيع. قد يكون من أجل الكراء أو لاستعمالات أخرى، وليس بالضرورة موجها للمواطن كي يقتنيه ويقيم فيه”، على حد تعبيره.
وتابع المتحدث: “ما نلاحظه مثلا في الرباط أو الدار البيضاء هو أن هناك بطبيعة الحال استمرارا في بناء إقامات سكنية تستجيب لعدة أغراض، لكن الغرض الأساسي منها هو التوجه لفئات اجتماعية معينة من ذوي الدخل المرتفع أو المتوسط”، موردا أن “الطبقة الفقيرة ستشعر بارتفاع أثمنته فتظل غير مستفيدة من هذا النوع من المساكن”.
وفي ما يخص ارتفاع أسعار العقار، قال المحلل الاقتصادي عينه إن ذلك “يعود إلى كون سوق العقار لا يمكن أن يُقاس بالطريقة نفسها في طنجة أو الرباط مقارنة بورزازات أو الراشيدية أو غيرها من المدن. لذلك، يجب تقييمه حسب كل مدينة”.
وسجل عبد الخالق التهامي أنه “حتى داخل المدينة نفسها، هناك اختلاف بين أنواع المساكن: من السكن الفاخر، إلى السكن المتوسط، إلى السكن الاقتصادي. فمن يستطيع شراء شقة فاخرة ليس كمن يبحث عن سكن اقتصادي. إذن هناك اختلاف كبير، ولا يمكننا الحديث عن سوق العقار وكأنه سوق موحد، بل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار البعد الجغرافي، وكذلك نوع الاقتصاد المستهدف”.