كشفت معطيات وزارة الداخلية أن الاحتجاجات الأخيرة عرفت مشاركة مرتفعة للقاصرين تجاوزت 70 في المائة من مجموع المشاركين، بل بلغت في بعض الحالات 100 في المائة، وهو ما واكبته أعمال عنف شملت استعمال أسلحة بيضاء والرشق بالحجارة وتفجير قنينات الغاز.
وتؤكد المقاطع والصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام هذه الأرقام، حيث يظهر بوضوح انخراط عدد كبير من الأطفال والقاصرين في التجمعات الاحتجاجية، ما يعكس مدى حجم الظاهرة وانتشارها في بعض المدن.
ويثير هذا الحضور المكثف للقاصرين تساؤلات عميقة حول أهمية التأطير الأسري الضروري لحمايتهم من الانخراط في ممارسات تنطوي على مخاطر جسيمة، الأمر الذي يفتح النقاش حول الدور المحوري للأسرة في توجيه الأطفال خلال السياقات الاحتجاجية المتوترة.
قالت سلوى الحلو، فاعلة جمعوية نشطة في مجال الطفولة، إن “للأسرة دورا جد أساسي وفعالا في تأطير سلوك الأطفال والقاصرين خلال الاحتجاجات”، مشيرة إلى أن “النقاش والتحليل الحضاري لما يعيشه البلد يجب أن يبدأ داخل البيت”.
وشددت الحلو، في تصريح لهسبريس، على أنه “لا يجب إشراك الأطفال في الاحتجاجات نظرا لصغر سنهم وعدم نضج وعيهم بهذه الأمور”، معتبرة أن “حماية الأطفال من الانخراط في أحداث قد تكون عنيفة تمثل مسؤولية تربوية أساسية تقع على عاتق الآباء”.
وأضافت الفاعلة الجمعوية ذاتها: “من أجل تكوين شباب أسوياء، يجب تعليمهم منذ الصغر التعبير بشكل لبق عن رأيهم، وأن يكونوا على استعداد للحوار وكذا أن يتقبلوا الرأي الآخر بشكل محترم”، موضحة أن “هذا النهج يرسخ قيم الاحترام والتفاهم منذ الصغر”.
وأكدت الحلو أهمية القدوة الأسرية قائلة: “يجب على كل أم وأب أن يحتضنا أطفالهما ويكون مثالا يحتذى به”، مشيرة إلى أن “الأطفال الذين ينشؤون وسط لغة العنف واللامبالاة لن يكونوا قادرين على تبني سلوكيات إيجابية وحضارية”.
وختمت سلوى الحلو تصريحها بدعوة واضحة إلى جميع الآباء والأمهات، قائلة: “أدعو جميع الآباء والأمهات للتركيز على تربية أبنائهم على الحوار والتسامح في ظل مجتمع يسوده الاحترام وتقدير كرامة الآخر”، مؤكدة أن “التربية الصحيحة تمثل حجر الأساس لمستقبل الأطفال والمجتمع”.
يرى مصطفى صائن، رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، أن “للأسرة الدور والمسؤولية الأولى في تربية وتنشئة أبنائها وبناتها، فلا يمكن اختزال مهامها وأدوارها في توفير الحاجيات المعيشية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى التربية على القيم والسلوك المدني”.
وأشار صائن إلى أن “للأسرة مسؤولية في تتبع الأبناء في حياتهم الدراسية وغيرها، وممارسة الرقابة الأبوية بتعاون مع باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مقدمتها المدرسة، التي هي كذلك مكلفة بالتربية على السلوكيات المدنية من خلال الأنشطة الصفية والأنشطة الموازية”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “الأسرة هي الخلية الأساسية في بناء الشخصية، ويقع عليها دور محوري في تصحيح السلوكيات المنحرفة وقتلها في مهدها بواسطة الحوار والتواصل الدائم وترسيخ ثقافة المسؤولية والانضباط”.
وأضاف رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ أن “للأسرة مسؤولية وقائية من خلال مراقبة الأوساط التي يتعامل معها الأبناء والبنات، سواء داخل المدرسة، أو في الشارع، أو في الوسائط الرقمية التي أصبحت تشكّل تهديدا حقيقيا للتربية الأسرية”.
وأكد رئيس الفيدرالية أن “الأسرة، باعتبارها الحاضن الأول للتنشئة الاجتماعية، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز دورها في التربية والتأطير، والقيام بواجباتها التربوية والأخلاقية كاملة، حتى تسهم في بناء جيل مسؤول ومتوازن يحترم القوانين والمؤسسات، بنهج أسلوب الحوار والسلمية بدل الشغب والفوضى”.
وختم مصطفى صائن توضيحاته بالقول إن “الأسرة مطالبة بتوعية الأبناء بأهمية الحفاظ على المكتسبات، والانتباه إلى المندسين والأفعال الإجرامية التي تعمل وفق أجندة هدامة”.