أصبح تأثير نقص الموارد المالية على الصحة النفسية من الموضوعات البارزة التي تحظى باهتمام الدراسات الحديثة؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن العلاقة بين المال والرفاهية النفسية تتجاوز مجرد مستوى الدخل، حيث يُظهر الواقع أن كثُرا يعانون من توتر مستمر عند نفاد ميزانيتهم الشهرية، ما ينعكس سلبا على مزاجهم وأدائهم المعرفي.
وتتزايد الأدلة على أن القلق المالي يؤثر ليس فقط على الصحة النفسية، بل يمتد إلى القدرات الإدراكية والاجتماعية، مما يجعل دراسة هذا التأثير أولوية للباحثين وصناع القرار، وقد قدمت الدراسات الحديثة رؤى معمقة حول ارتباط نقص المال بالاضطرابات النفسية، مع التركيز على وعي الأفراد وإدراكهم لهذه الضغوط.
دراسة Financial Scarcity & Cognition أشارت إلى أن “الشعور بالنقص المالي يؤثر بشكل مباشر على الأداء المعرفي؛ إذ يقلل من القدرة على التركيز واتخاذ القرارات الصائبة، ويزداد تأثيره لدى الأشخاص ذوي الموارد المحدودة”، كما أبرزت الدراسة أن “المستوى التعليمي يلعب دورا وقائيا؛ إذ يتمكن الأفراد الأكثر تعلما من التعامل مع الضغوط المالية بشكل أفضل، مما يخفف من آثارها النفسية”.
أما دراسة Financial Worries & Distress فقد ركّزت على “العلاقة بين القلق المالي والضيق النفسي لدى البالغين في الولايات المتحدة، وخلصت إلى أن القلق بشأن المال يرتبط ارتباطا قويا بالاكتئاب والاضطراب النفسي، خاصة بين الأسر ذات الدخل المنخفض، والعزاب، وغير المأجورين”، مؤكدة أن “الضغوط المالية اليومية تمثل تهديدا ملموسا للصحة النفسية للفئات الأكثر هشاشة”.
وفي محاولة لفهم الظاهرة بصورة أعمق، طوّر باحثون مقياس Financial Scarcity Inventory لقياس المعاناة النفسية الناتجة عن نقص الموارد المالية، الذي يتيح “تقييم القلق المالي، والتركيز على الحاجات الفورية، والشعور بعدم السيطرة على الوضع المالي”، وبيّنَ أن “هذه المعاناة تفسّر فروقا كبيرة في مستوى الرفاهية النفسية تتجاوز ما يحدده الدخل الفعلي وحده، مما يسلط الضوء على الأبعاد النفسية للضغوط المالية”.
وأظهرت دراسة Global Financial Scarcity & Health أن “الكفاح المالي المستمر له آثار طويلة الأمد على الصحة النفسية والجسدية؛ إذ يزيد من خطر الاكتئاب والشعور بالتعاسة وتدهور الصحة الذاتية”، فيما يؤكد الباحثون أن “تأثير النقص المالي يمتد عبر مراحل الحياة المختلفة، مما يستدعي تدخلات شاملة تهدف إلى دعم الأفراد اقتصاديا ونفسيا لمواجهة هذه التحديات”.
ندى الفضل، أخصائية نفسية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “الضغوط المالية لها انعكاس مباشر على الصحة النفسية”، موضحة أن “قلة المال في نهاية الشهر ترتبط بزيادة القلق والتوتر وصعوبة النوم، كما قد تؤدي إلى مشاكل في التركيز واتخاذ القرار، وإلى شعور بالإحباط أو فقدان السيطرة”.
وأوضحت ندى الفضل أن “الضغط المالي قد يسهم أحيانا في تفاقم الاكتئاب أو في تعزيز بعض السلوكيات غير الصحية مثل التدخين أو الأكل العاطفي”، مؤكدة أن “هذه الآثار تجعل التعامل مع الضغوط الاقتصادية ضرورة ملحة لحماية التوازن النفسي للفرد”.
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن “من بين الاستراتيجيات العملية للتخفيف من هذه الضغوط إعادة تنظيم الميزانية عبر كتابة جميع المصاريف الأساسية وتقليل النفقات الثانوية أو غير الضرورية، مع تخصيص مبلغ صغير احتياطي لتعزيز الإحساس بالأمان ولو رمزيا”.
وأضافت الفضل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تعزيز الوعي المالي يساعد بشكل مهم على الحد من التوتر، من خلال تحديد الأولويات والاعتماد على الدفع نقدا أو عبر محفظة محدودة بدل البطاقة، مما يقلل من احتمالات الإنفاق غير المراقب”.
وختمت الأخصائية النفسية توضيحها بتسليط الضوء على أهمية الجانب النفسي في المواجهة، مؤكدة أن “الاستعانة بتمارين الاسترخاء، أو ممارسة نشاط بدني، أو التحدث مع شخص داعم، إضافة إلى إعادة صياغة الأفكار السلبية بشكل إيجابي، كلها خطوات فعالة في التخفيف من الضغط ومنع تفاقم الأعراض”.