عاشت مناطق مغربية، أمس الثلاثاء، “ليلة سوداء” بعد تحول احتجاجات “جيل زد” المنادية بالحق في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد إلى أعمال تخريب رافقها إضرام النار في عربات قوات الأمن.
وحسب منشورات نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي همت “أعمال العنف” مدن وجدة وآيت عميرة وإنزكان وتيزنيت وبني ملال والرشيدية.
وفي مدينة إنزكان، بدت مشاهد الخراب الحاصل طاغية على الشوارع وفق المصادر ذاتها، بعد ساعات من المواجهات العنيفة بين شباب غالبيتهم ملثمين وبين قوات الأمن انتهت بإضرام النار في وكالة بنكية وصيدلية وجزء من عمارة سكنية ومدخل مركز تجاري ومنشآت أخرى.
في آيت عميرة، أظهر بث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحول احتجاجات غفيرة إلى مطاردة شباب متلثمين ومراهقين لقوات الأمن انتهت بإضرام النار في عرباتهم.
وعاشت مدينة وجدة “ليلة مأساوية”؛ فقد واجه المتظاهرون قوات الأمن بالحجارة، وعمدوا إلى قلب سيارة تابعة للأمن الوطني، لتنتهي بتعرض أحد الشباب للدهس بسيارة أمنية أدت إلى كسر بالرِجل. كما كان رشق القوة العمومية حاضرا أيضا في بني ملال والرشيدية أيضا.
تعليقا على ما جرى من أحداث، قال عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن كل “عنف هو أمر غير مقبول كوسيلة للاحتجاج”.
وأضاف الخضري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما شهده المغرب ليوم أمس “مأساوي بامتياز” وغير مقبول بتاتا.
وتابع رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان: “تفسير الأمر يأتي كون المتواجهين هم أولا شباب ومراهقون فاقدون للأمل ويحسون بالغبن والحقد داخل بلدهم، ولا يعرفون كيف يعبرون عن مطالبهم سوى عبر الشغب، ومن جهة قوات أمنية تنهج أسلوب المنع والتوقيف”.
وأبرز الفاعل الحقوقي عينه أن كل هذا ساهم في تشكيل “مشهد مأساوي ليوم أمس، ورسم مشاهد مقلقة عن وضع البلد”، منتقدا بذلك “شن السلطات الأمنية حملة من التوقيفات منذ أول يوم لهذه الاحتجاجات الشبابية؛ ومنها أمام كاميرات الصحافة، في خرق واضح لحرية التعبير”.
ودعا الخضري إلى ضبط النفس، وأن تتحرك الدولة المغربية لإعادة الثقة عبر “البدء في محاربة كل أشكال الفساد؛ لأنها البداية الحقيقية لتلبية مطالب الشباب في التعليم والصحة”.
سعيد رحيم، فاعل مدني وحقوقي بمدينة تزنيت، قال إن أحداث العنف التي شهدتها مدينته يوم أمس لا تزال تغيب عنها معطيات واضحة تسمح بتحديد المسؤولية المباشرة.
وأكد رحيم، ضمن تصريح لهسبريس، أن السؤال الجوهري الذي يطرحه الرأي العام اليوم هو عن أسباب وقوع هذه الأحداث لأول مرة في منطقة اعتادت على الهدوء، خصوصا أن الاحتجاجات السابقة في مختلف مدن المركز كانت تمر في أجواء سلمية.
وأشار الفاعل المدني والحقوقي سالف الذكر إلى أن الأمر يحتاج إلى وضوح أكبر حتى لا يبقى المجال مفتوحا أمام التأويلات والقراءات المتعددة.
وأضاف المتحدث عينه أن تاريخ الاحتجاجات في المغرب، سواء بالنسبة للأخيرة المتعلقة بطلبة الطب أو الأساتذة، كان يواجهها تدخل من قبل السلطات الأمنية.
كما اعتبر رحيم أن المشهد الحالي يتميز بظهور جيل جديد من المحتجين غير المنتمين تنظيميا؛ وهو ما يعقد المشهد ويجعل عملية التفاعل معه مختلفة عن السابق، و”هذا التحول قد يكون أحد أسباب الانزلاق نحو العنف، في غياب قنوات مؤسساتية واضحة قادرة على استيعاب مطالب هذه الفئة والتجاوب معها”، حسب قوله.
وأكد الفاعل الحقوقي بمدينة تزنيت أن الوضع الراهن خلف صدمة للرأي العام، خاصة أن المقارنة تظهر أن المدن المركزية الكبرى تعرف احتجاجات سلمية؛ بينما الأطراف والهامش تتسم باندلاع أحداث عنيفة. وهذا التباين يطرح إشكاليات عميقة حول العدالة المجالية في التعامل مع الاحتجاجات، ومدى تكافؤ الفرص بين مختلف المناطق.