آخر الأخبار

مصالحة مفاجئة بين رئيس مقاطعة البرنوصي ونائبه تثير الشكوك حول مصير ملفات الفساد - العمق المغربي

شارك

أثارت خطوة “المصالحة المفاجئة” بين رئيس مقاطعة سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، سعيد الصابري، ونائبه الأول عصام كمري، جدلا واسعا في أوساط المتابعين للشأن المحلي، خاصة وأن الخلاف بين الطرفين ظل يطبع المشهد السياسي داخل المقاطعة لأزيد من سنتين، وصل خلالها إلى ردهات مكاتب الفرقة الاقتصادية والمالية التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية.

هذه التطورات غير المتوقعة خلفت حالة من الاستغراب والارتباك وسط أعضاء مجلس المقاطعة، خصوصا الموالين لأطروحة النائب الأول، الذين اعتبروا أن هذه الخطوة تفتقد للوضوح وتضع مصداقية العمل السياسي على المحك.

وعبر عدد من المستشارين عن امتعاضهم من هذا التحول المفاجئ في موقف عصام كمري، موجهين له اتهامات صريحة بـ”التلاعب بمصير أزيد من نصف مليون نسمة يقطنون منطقة البرنوصي”، مؤكدين أن ما جرى لا يعكس تطلعات الساكنة التي كانت تترقب حلا جذريا للأزمات التي تعانيها المنطقة، بل يدخل – بحسب قولهم – في إطار حسابات انتخابية ضيقة مرتبطة بالاستحقاقات المقبلة.

ويؤكد هؤلاء أن الخلاف الذي كان قائما بين الرئيس ونائبه الأول لم يكن مجرد نزاع شخصي أو تنظيمي داخلي، بل كان مرتبطا بتدبير ملفات حساسة تتعلق بالشأن المحلي والخدمات الأساسية، وهو ما جعل الساكنة تترقب نتائج التحقيقات الرسمية الجارية بشأن شكايات سبق أن رفعت ضد المكتب المسير.

وتزامن الجدل حول المصالحة مع اقتراب موعد الانتخابات، ما جعل العديد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين يربطون بين هذا التقارب الجديد و”التموقع الانتخابي” للطرفين، معتبرين أن الهدف الأساسي ليس مصلحة الساكنة بقدر ما هو محاولة لإعادة ترتيب الأوراق وضمان حضور قوي في الاستحقاقات المقبلة.

ويحذر مراقبون من أن مثل هذه التحركات قد تزيد من فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة، خاصة في ظل ما يعتبرونه “تغليب المصلحة الشخصية والحزبية على المصلحة العامة”.

من جانبه، نفى عصام كمري أن تكون الخطوة الأخيرة مصالحة بالمعنى السياسي، مشددا على أنها مجرد محاولة لخفض حدة التوتر وفتح المجال أمام السلطات المختصة من أجل مباشرة التحقيقات في الشكايات التي تم وضعها خلال الأسابيع الماضية.

وفي هذا الصدد، قال عبد العزيز لباتي، المستشار بمقاطعة سيدي البرنوصي، إنه فوجئ بظهور كل من عصام الكمري، النائب الأول لرئيس مجلس المقاطعة، إلى جانب الرئيس سعيد صابري، خلال أشغال الدورة العادية للمجلس بتاريخ 19 شتنبر 2025، حيث بدا واضحا أن الطرفين قد دخلا في مصالحة غير معلنة.

وأكد لباتي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أنه لم يكن على علم مسبق بهذه الخطوة التي أثارت العديد من التساؤلات، خصوصا بعد سنوات طويلة من التوتر والصراع العلني بين الرجلين.

وأوضح المتحدث أن هذه المصالحة جاءت بعد ما يقارب ثلاث سنوات من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وهي اتهامات وصفها بـ”الخطيرة والثقيلة”، حيث سبق للكمري أن اتهم رئيس المقاطعة بالتورط في قضايا فساد وغياب الشفافية في تدبير الشأن المحلي، بينما رد صابري باتهام نائبه بمحاولات ابتزاز وسعيه وراء امتيازات ومصالح شخصية.

وأضاف المستشار بمقاطعة سيدي البرنوصي أنه كان، إلى جانب مجموعة من المستشارين المنتمين إلى هيئات سياسية متعددة، من بينهم معارضون، قد تبنى موقفا داعما للكمري في مواجهة ما اعتبره “اختلالات في التسيير”.

وتابع قائلا: “اليوم، وبعد هذا التحول المفاجئ، تبرز تساؤلات جوهرية حول مصير الملفات والاتهامات التي ظل النائب الأول يلوح بها طيلة السنوات الماضية، هل تم التحقيق فيها ومعالجتها بالفعل؟ أم أن هناك ثمنا أو مقابلا سياسيا أدى إلى هذا التحالف الجديد؟”، مشددا على أن الرأي العام المحلي يستحق إجابات واضحة وشفافة.

وأشار المستشار ذاته إلى أن “الغموض يلف هذه المصالحة، ما يفرض على عصام الكمري أن يقدم بيانا صريحا يوضح فيه للرأي العام ما إذا كان تراجعه عن موقفه السابق مرتبطا بطي صفحة الخلاف لصالح استقرار المجلس، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد هدنة سياسية هدفها تبريد الأجواء دون معالجة جوهرية للملفات العالقة”.

كما لفت لباتي إلى أن مقاطعة سيدي البرنوصي، التي كانت في وقت سابق نموذجا يحتذى به داخل جماعة الدار البيضاء من حيث مستوى التنمية وجودة التدبير، باتت اليوم تعاني من تراجع واضح نتيجة الصراعات السياسية المستمرة داخل مكتبها المسير.

وأكد أن هذه الخلافات انعكست سلبا على مستوى الخدمات المقدمة للساكنة، مضيفا: “المقاطعة اليوم تحتاج إلى قرارات شجاعة وإرادة سياسية حقيقية لإعادة الاعتبار لها، لا إلى مزيد من الصراعات التي تستنزف الوقت والجهد.”

وشدد لباتي على أن المصالحة بين رئيس المقاطعة ونائبه لا تعني بالضرورة سقوط الشكايات والملفات التي سبق أن تم رفعها إلى مختلف السلطات الرقابية والمسؤولين الترابيين.

وذكر بأن الكمري سبق أن وضع شكايات تتعلق بملفات ثقيلة، أبرزها إنشاء تجزئات وبنايات سرية داخل الحي الصناعي لسيدي البرنوصي، ومنح رخص غير قانونية لربط مستودعات عشوائية بالتيار الكهربائي، إضافة إلى استغلال النفوذ في تدبير الشأن المحلي.

وكشف المتحدث أن هذه الملفات لم تطو بعد، بل إنها موضوع تحقيقات باشرتها الفرقة الاقتصادية والمالية التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن الدار البيضاء، وذلك بناء على تعليمات من رئاسة النيابة العامة.

وختم لباتي تصريحه بالقول: “نحن كممثلين للساكنة ننتظر توضيحات رسمية حول هذه الملفات، لأن من حق المواطنين أن يعرفوا الحقيقة كاملة، بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة أو التوافقات الظرفية.”

من جهته، نفى عصام كمري، النائب الأول لرئيس مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي، بشكل قاطع ما يتم تداوله من أخبار تفيد بوجود مصالحة بينه وبين رئيس المقاطعة، سعيد صابري، مؤكدا أن هذه الأخبار “عارية من الصحة ولا تمت للواقع بأي صلة”.

وأوضح كمري، في تصريح لجريدة “العمق”، أن ما جرى تداوله لا يمكن وصفه بمصالحة، بقدر ما هو محاولة لخفض حدة التوتر والأزمة الداخلية التي يعرفها المجلس منذ مدة.

وأكد المتحدث عينه أن جوهر الخلافات ما يزال قائما، مبرزا أن الشكايات الموضوعة لدى الجهات القضائية لم يتم البت فيها بعد، وأن الحديث عن اتفاقات مسبقة أو تفاهمات حول مناصب داخل المجلس “مجرد مزاعم لا أساس لها”.

وأضاف قائلا: “أنا نائب أول للرئيس، ومع ذلك لم أستفد يوما من سيارة المصلحة، ولا أسعى إلى الحصول عليها، لأن الأمر بالنسبة لي ليس غاية ولا امتيازا شخصيا، بقدر ما هو مسؤولية سياسية وأمانة أخلاقية”.

وشدد المتحدث ذاته على أن المرحلة الراهنة هي بمثابة فترة للتأمل وإعادة قراءة للمشهد السياسي داخل مقاطعة سيدي البرنوصي، في أفق استيعاب التوازنات القائمة وانتظار الكلمة الفصل من القضاء بشأن الملفات المعروضة أمامه.

واعتبر أن هذه الوضعية تكشف عن عمق الإشكالات التي تعيشها التدبيرية الجماعية، والتي تحتاج إلى نقاش هادئ ومسؤول، بعيدا عن الصراعات الهامشية أو الحسابات الضيقة.

وختم كمري تصريحه بالتأكيد على أن الأولوية بالنسبة له تظل خدمة ساكنة سيدي البرنوصي، والعمل على الدفاع عن مصالحها، مشيرا إلى أن أي نقاش داخلي أو خلاف سياسي ينبغي أن يظل وسيلة لتقوية الممارسة الديمقراطية داخل المجلس، لا سببا في تعطيل مصالح المواطنين أو تشويه صورة المؤسسة المنتخبة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا