آخر الأخبار

"المؤشر طالع" يحرم آلاف الأسر المغربية من العلاج المجاني بالمستشفيات - العمق المغربي

شارك

لم يكن كثير من المرضى المغاربة يتوقعون أن انتقالهم من نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى “أمو تضامن” سيقلب حياتهم رأسا على عقب، فالتغيير الذي رُوج له باعتباره خطوة نحو توسيع التغطية الصحية الشاملة، تحول عمليا بالنسبة لشرائح واسعة من الأسر الهشة إلى عبء ثقيل، بعدما وجدوا أنفسهم فجأة مطالبين بأداء مقابل خدمات كانوا يحصلون عليها مجانا لسنوات طويلة.

ويعود السبب إلى ما يسمى بـ“المؤشر” المعتمد لتحديد الفئات المستفيدة، وهو مؤشر اجتماعي واقتصادي يُحتسب بناء على معطيات متعددة، غير أن ارتفاعه لأسباب بسيطة أو غير دقيقة جعل آلاف المواطنين يخرجون من لائحة المستحقين، رغم أن واقعهم المعيشي لم يتغير.

فاطمة، أرملة خمسينية تقطن في حي شعبي بالدار البيضاء، وهي واحدة من المتضررات من ارتفاع المؤشر، تقول إنها صُدمت عندما قصدت المستشفى العمومي لعلاج ابنها المصاب بداء السكري: “أخبروني أن بطاقة راميد لم تعد صالحة وأنني مسجلة في نظام جديد يفرض علي الأداء رغم أنني أعيش على نفقة أبنائي العاطلين عن العمل، كيف يمكنني شراء الأنسولين بثمن يفوق قدرتي وأنا لا أملك حتى ما أسد به رمق العيش؟”.

الحالة نفسها تتكرر مع عبد القادر، عامل بناء سابق يعاني من قصور كلوي ويحتاج إلى حصص منتظمة للتصفية، يقول: “كنت أستفيد من العلاج المجاني في المستشفى، لكن منذ بداية هذا العام طلبوا مني الأداء بدعوى أن المؤشر ارتفع لدي، المبلغ يفوق ثلاثة آلاف درهم شهريا، بينما معاشي لا يتجاوز ألفي درهم، والنتيجة أنني مضطر لتقليص عدد الحصص رغم خطورة ذلك على صحتي”.

ويعتمد النظام الجديد على معايير متعددة مثل السكن، الاستهلاك الكهربائي، عدد الأبناء في المدارس، وملكية بعض الأدوات المنزلية، غير أن هذه المعايير تُحتسب بشكل آلي، وغالبا ما تضع أسر فقيرة في خانة “الميسورين” لمجرد امتلاكهم ثلاجة أو تلفاز، أو لأن أحد أفراد الأسرة يشتغل بشكل موسمي، وبناء على هذه المعايير، فقدت آلاف الأسر الهشة، خاصة في القرى والمناطق الهامشية، صفة الاستفادة المجانية وأصبحت ملزمة بتحمل مصاريف علاج باهظة.

وفي هذا الصدد، حذر الناشط الحقوقي يوسف الرتباني من الوضع الذي تعيشه آلاف الأسر المغربية بسبب حرمانها من التغطية الصحية، معتبرا أن الوضع ينذر بكارثة صامتة، لأن الأسر التي لا تستطيع دفع تكاليف العلاج فتضطر إلى التخلي عنه أو البحث عن بدائل أقل جودة، وهو ما يفاقم المضاعفات ويؤدي أحيانا إلى وفيات يمكن تجنبها.

وقال الرتباني في تصريح لجريدة “العمق”، إن مرضى السرطان أو القصور الكلوي أو أمراض القلب يجدون أنفسهم أمام معادلة قاسية، إما بيع ممتلكات بسيطة أو الاستدانة، وإما الاستسلام للمرض.

من جانبه، كشف مسؤول إداري بأحد مراكز تصفية الدم في الدار البيضاء، أن عددا كبيرا من المرضى وجدوا أنفسهم في وضع صعب بعد انتقالهم من نظام “راميد” إلى “أمو تضامن”، حيث صُدموا بتوقيف استفادتهم ومطالبتهم بأداء مبالغ شهرية نتيجة احتساب مؤشر مرتفع لهم.

وأوضح ذات المصدر في تصريح لـ”العمق”، أن المركز يواصل تقديم العلاج لهؤلاء المرضى بشكل مؤقت تفاديا لتعريض حياتهم للخطر، غير أن جميع الخدمات تُسجل كفواتير مترتبة عليهم، ما يعني أن الديون تتراكم، وهو ما قد يؤدي في أي لحظة إلى وقف استفادتهم إذا لم تسوى وضعيتهم المالية.

ويرى باحثون في السياسات الاجتماعية أن أي نظام صحي يضع مؤشرات جامدة لقياس الفقر معرض لإقصاء فئات واسعة من المستحقين، مقترحين العودة إلى مبدأ التدرج، عبر إبقاء الفئات الأكثر هشاشة ضمن نظام مجاني صارم، مع إمكانية إشراك الفئات شبه الهشة في مساهمات رمزية تراعي قدراتهم الفعلية.

وشدد ذات المصدر، على ضرورة إشراك الجماعات المحلية والجمعيات المدنية في رصد الحالات لضمان عدالة التوزيع، معتبرين أن نجاح شعار “الدولة الاجتماعية” رهين بمدى قدرة الأخيرة على تصميم آليات عادلة ومنصفة، تضع كرامة المواطن وصحته في صلب الأولويات.

جدير بالذكر أن الحكومة صادقت خلال نونبر 2023 على إدماج 11 مليون مغربي كانوا يستفيدون من نظام “راميد”، ينتمون إلى 4 ملايين أسرة، في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا