لم تكن الجروح الغائرة التي حفرها زوج سابق على وجه ويد الشابة إيمان بمدينة تازة مجرد اعتداء فردي، بل كانت شرارة أشعلت نار الغضب والحزن على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الحقوقية، لتُعيد إلى الواجهة نقاشًا مجتمعيًا مؤلمًا ومُلحًا حول تكرار جرائم العنف ضد النساء ومدى فعالية القوانين في حمايتهن.
أول أمس الثلاثاء استيقظت مدينة تازة على وقع فاجعة إنسانية، حيث تعرضت الشابة إيمان لاعتداء وحشي بالسلاح الأبيض على يد طليقها، ما تسبب لها في إصابات بليغة شوهت وجهها وتركت لها ندوبًا جسدية ونفسية عميقة. وبينما نُقلت الضحية على وجه السرعة إلى المستشفى لتلقي العلاج باشرت السلطات الأمنية والنيابة العامة تحقيقًا قضائيًا عاجلًا في ملابسات الجريمة.
وسرعان ما دخلت الهيئات الحقوقية على الخط، إذ أصدرت شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع بلاغًا شديد اللهجة، أدانت فيه “الفعل الإجرامي الوحشي” واعتبرته “انتهاكًا صارخًا لحقوق النساء في السلامة الجسدية والنفسية”. كما أعلنت الشبكة عن تضامنها المطلق مع إيمان، مطالبة السلطات بتوفير تكفل طبي ونفسي فوري لها، مع التشديد على ضرورة متابعة المعتدي قضائيًا بما يتناسب مع خطورة جريمته.
وقالت سعاد بنمسعود، منسقة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، إن الشبكة اطلعت بقلق على ما تداولته وسائل الإعلام حول قضية الشابة إيمان بمدينة تازة، التي تعرضت لعنف واعتداء وحشي بالسلاح الأبيض، مخلفًا لها جروحًا بليغة على مستوى الوجه واليد، مؤكدة أن الصورة التي نشرتها الصحافة تعكس حجم الإصابات.
وأشارت بنمسعود، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن السلطات الأمنية والنيابة العامة فتحت تحقيقًا قضائيًا فوريًا، وهو ما تثمنه الشبكة، معتبرة أن هذا الاعتداء يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية والسلامة الجسدية والنفسية للضحية، مع التأكيد على الآثار النفسية البليغة التي قد تلازمها نتيجة هذه التجربة المؤلمة.
وأكدت الحقوقية ذاتها على التضامن الكامل مع الضحية، داعية إلى التكفل الطبي والنفسي العاجل بها لتخفيف معاناتها، ومطالبة السلطات القضائية المختصة باتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لمتابعة الجاني بما يتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة.
كما شددت المتحدثة على ضرورة تفعيل القوانين والآليات المعتمدة لحماية النساء والوقاية من العنف، لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات التي أصبحت تتكرر بشكل مستمر، وأوردت أن شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع ستواصل متابعة الملف عن كثب، بالتنسيق مع الجمعيات المحلية المنضوية تحت شبكة “نساء متضامنات”، لضمان تقديم الدعم والمتابعة المستمرة للضحية.
وبالتوازي مع التحرك الحقوقي انفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي موجة تضامن واسعة تحت وسوم مثل #كلنا_إيمان و #لا_للعنف_ضد_النساء. وتناقل النشطاء صورة الضحية المؤلمة، ليس بدافع التشهير، بل كدليل على فداحة العنف الذي يمكن أن يصل إليه شريك سابق، معبرين عن غضبهم من “التطبيع” مع العنف الأسري، ومطالبين بإنزال أقصى العقوبات على الجاني.
هذه الواقعة، كغيرها من الحالات المروعة، فتحت الباب واسعًا أمام الخبراء القانونيين والحقوقيين لتقييم الإطار التشريعي المغربي. وفي هذا السياق دقت نبيلة جلال، المحامية وعضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، ناقوس الخطر، معتبرة أن هذه الجرائم تكشف عن بنية عنف متجذرة في السلوك البشري غالبًا ما تكون النساء ضحيتها الأولى.
وقالت جلال، ضمن تصريح لهسبريس، إن هذه الجرائم تدق ناقوس الخطر، إذ قد يجد المغرب نفسه في وضع شبيه ببعض الدول التي تسجل إصابة امرأة من كل ثلاث نساء بالعنف الجسدي، وأضافت أن الإطار القانوني، وعلى رأسه القانون 103-13، يتضمن آليات للحماية، مثل إنذار المعتدي أو إبعاده أو إيواء الضحية في مراكز متخصصة، غير أن هذه التدابير لا تُفعل بالصرامة المطلوبة، وغالبًا ما تُواجه النساء بشروط إثبات تعجيزية، في وقت يُفترض أن تفتح النيابة العامة بحثًا فور التصريح بالعنف وتوفر الحماية اللازمة بشكل استباقي.
وانتقدت المحامية ذاتها ما وصفته بـ”ضعف تفعيل العقوبات في قضايا العنف ضد النساء”، إذ غالبًا ما يتم حفظ الشكايات أو الدفع نحو الصلح حتى في حالات العنف الجسدي المثبت بشهادات طبية، بينما تصدر في أحيان أخرى أحكام مخففة لا تردع المعتدين.
وحذرت المتحدثة من أن إدخال جرائم العنف ضد النساء ضمن خانة العقوبات البديلة قد يفتح الباب أمام إفلات الجناة من العقاب، في حين أن طبيعة هذا العنف تقتضي التعامل معه كخطر حقيقي قد يتطور بسرعة إلى جريمة مروعة.
وختمت جلال بالتأكيد على أن العنف ضد النساء ليس مجرد شعار ترفعه الجمعيات الحقوقية، بل قضية تمس نصف المجتمع الذي يمثل قوة اقتصادية وفكرية، ودعت إلى ضرورة أن تتعاطى السلطات المكلفة بإنفاذ القانون بالجدية اللازمة مع هذه القضايا، وأن تتخذ إجراءات عملية قادرة على حماية النساء فعليًا، بدل التعامل مع شكاياتهن وكأنها مجرد تصريحات عابرة.