قال الكاتب المصري هاني ضوة إن الزكاة ليست مجرد فريضة مالية تقليدية، بل ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز قيم التكافل في المجتمعات المسلمة، وأضاف أن الزكاة تمثل وسيلة عملية لتوزيع الثروة على نحو عادل، بما يسهم في دعم الفئات الأكثر احتياجًا والحد من مظاهر الفقر والتهميش.
وأشار عضو المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية، وعضو اللجنة التنفيذية لمنصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي، في مقال توصلت به هسبريس، إلى أن فهم أحكام الزكاة وتطبيقها بدقة لم يعد ترفًا فقهيًا، بل ضرورة دينية واجتماعية لضمان استقرار المجتمعات وتماسكها، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية وتطورات سريعة في أنماط الكسب والمعاملات المالية.
وأشار ضوة إلى أن دعوة الملك محمد السادس باعتباره أميراً للمؤمنين للمجلس العلمي الأعلى من أجل إعداد فتوى شاملة بشأن الزكاة على الدخل الحديث تمثل خطوة ذات بعد إستراتيجي، إذ تهدف إلى ربط القيم الإسلامية بواقع الحياة المعاصرة، واعتبر أن هذه الدعوة الملكية تعكس وعيًا عميقًا بأهمية تفعيل الزكاة كممارسة حية تتجاوز الإطار النظري، لتصبح أداة عملية تسهم في تحقيق التوازن بين الأفراد والمجتمع، مشددًا على أن الفتوى المرتقبة من شأنها أن توفّر للمواطنين مرجعية شرعية دقيقة تعينهم على أداء الزكاة بما يتلاءم مع تعقيدات الاقتصاد الحديث.
وأوضح الكاتب أن من شأن الفتوى أن توضح المسائل الفنية المتعلقة بالنصاب والمقادير وأوقات الإخراج، ما يعيد الثقة في المرجعيات الدينية الرسمية ويقلّص من تأثير الاجتهادات الفردية والمعلومات المغلوطة المنتشرة على المنصات الرقمية، مشيرًا إلى أن تفعيل الزكاة على هذا النحو يعزز الدور التوجيهي للمؤسسات الدينية، ويُسهم في بناء وعي مجتمعي متماسك حول أدوار العبادات في خدمة المصالح العامة.
كما أكد ضوة أن تنظيم الزكاة من خلال مؤسسات رسمية أثبت نجاعته في بعض الدول العربية، مشيرًا إلى التجربة المصرية، حيث يشرف “بيت الزكاة والصدقات” على عملية جمع الزكاة وتوزيعها تحت إشراف شيخ الأزهر، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها الفعليين، ويتيح تمويل مشاريع تنموية لتحسين معيشة الفقراء، وأبرز أن هذه التجربة يمكن أن تلهم المغرب في مساعيه لتقنين الزكاة وإدارتها بآليات مؤسسية فعالة.
وأضاف الكاتب المصري أن نجاح هذه الخطوة يتوقف على مدى وعي المواطنين واستعدادهم للامتثال للتوجيهات الجديدة، إضافة إلى كفاءة الجهات المعنية في وضع أنظمة شفافة وعادلة لجمع الموارد وتوزيعها؛ كما أكد أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام والمجتمع المدني في مواكبة هذه المبادرة بالتوعية والتعبئة المجتمعية.
وقال صاحب المقال إن الزكاة بهذا المفهوم تصبح أكثر من مجرد التزام ديني، بل تتحول إلى أداة فعالة لإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على أسس من العدالة والتضامن، لافتا إلى أنها تسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي بأسلوب أخلاقي ومسؤول، وتبرهن في الوقت ذاته على مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على مواكبة التحولات، من دون التفريط في ثوابتها.
واعتبر ضوة أن دعوة الملك محمد السادس تأتي في سياق رمزي خاص، إذ تتزامن مع الاحتفاء بالذكرى الـ1500 لميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما يضفي على المبادرة بعدًا روحيًا وتربويًا، متابعا بأن الربط بين هذه الذكرى التاريخية وإحياء فريضة الزكاة يعكس رؤية متكاملة توظّف الدين في خدمة القيم المجتمعية والاقتصادية الراهنة.
وفي ختام مقاله أكد الكاتب المصري أن الفتوى المنتظرة ليست مجرد معالجة فقهية لقضية تقليدية، بل تمثل تحولًا في مسار تفعيل الزكاة في المغرب، بوصفها أداة إصلاح اقتصادي واجتماعي، ودعا المواطنين إلى التفاعل الإيجابي مع هذه الرؤية من خلال الالتزام الواعي بالزكاة والمشاركة في بناء مجتمع أكثر توازنًا وعدالة.