جدّدت مبادرة ثقافية نشر عدد من كتب أول فيلسوف مغربي في القرن العشرين، محمد عزيز الحبابي، الذي طبع المشهد الجامعي والثقافي المغربي، حيث كان من مؤسسي شعبة الفلسفة بالمغرب، وأول رئيس مؤسس لـ”اتحاد كتاب المغرب”، ورشّح لجائزة نوبل للآداب عن أعماله الأدبية بالفرنسية والعربية.
ونشرت “دار توبقال” في ذكرى ميلادها الأربعين كتبا من مكتبة الحبابي؛ من بينها “ورقات عن فلسفات إسلامية”، والجزء الأول من أطروحة الفيلسوف الراحل “من الكائن إلى الشخص”.
وفي هذا السياق، قال الأكاديمي والشاعر محمد بنيس، أحد مؤسّسي هذه الدار: “نشرنا كتابات، من بينها كتابات لمحمد عزيز الحبابي، تحية لذكراه وفكره؛ فهو الفيلسوف الأول بالمغرب، وقد كان له دور كبير في بناء فكرٍ فلسفي على المستوى المغربي، وكان له صداه على المستوى العربي، لأن بعض كتبه صدرت بدار المعارف بالقاهرة في بداية الستينيات”.
وأردف بنيس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “عمل دار توبقال هو عمل إعطاء المكانة للثقافة المغربية، التي كان لها دور كبير. ومهما كانت الوقائع في الماضي نعيد قراءة هذه الفترة، وتقديم الأمل من خلال إعادة النشر، مع تحية رمزية لمحمد عزيز الحبابي بعد أن كدنا ننساه”.
وقد عرفت الساحة الثقافية اهتماما متزايدا في العقد الماضي بمشروع محمد عزيز الحبابي الذي ووري الثرى سنة 1993؛ من بين أوجه ذلك الاهتمام تنظيم ندوات علمية، ونشر كتب فردية وجماعية، داخل المغرب وخارجه، من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما نظّمته من ندوات نشرت كتبا جماعية كل من مؤسسة مؤمنون بلا حدود والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأكاديمية المملكة المغربية، وما كتبه كل من محمد وقيدي ومحمد مصطفى القباج ويوسف بن عدي.
وصدر أحدث الكتب حول الحبابي عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنة 2024، بعنوان “النزعة الإنسانية في شخصانية محمد عزيز الحبابي”، لمؤلفه الباحث إبراهيم مجيديلة، الذي خلص إلى أن الشخصانية الواقعية فالشخصانية الإسلامية ثم الغدية محطات مؤقتة في فكر الحبابي، الذي “يجعل من النزعة الإنسانية الأعم أفقا له”.
ووصف الباحث مجيديلة الفيلسوف المغربي سالف الذكر بـ“أحد رموز النبوغ الفلسفي الإنساني في الفضاءين الإسلامي والعربي، ومجددا استأنف القولَ الفلسفي ومسيرةَ من سبقوه فيه في المغرب (…) بوصفه صاحبَ مشروعٍ فكري، وتآليف جعلت الفلسفة تقليدا مؤسسيا وأكاديميا قائما بذاته في الجامعة المغربية، وفي اليقظة الفلسفية المغربية خاصة، والعربية المعاصرة عامة”.
ونبه المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية، في وقت سابق، إلى أن “الحبابي كان المفكر المغربي الوحيد تقريبا الذي جعل من إفريقيا موضوعا لاهتماماته الفكرية، منذ ستينيات القرن الماضي”، محيلا على “الدراسة التي أنجزها الباحث لحسن تفروت، بعنوان ‘الشخصانية الإفريقية في فلسفة محمد عزيز الحبابي’، بمناسبة الندوة التي نظمتها أكاديمية المملكة المغربية سنة 2018 حول المنجز الفلسفي لمحمد عزيز الحبابي، (التي) تُبين انشغال هذا المفكر بالإشكاليات التي كان المفكرون الأفارقة يطرحونها على ذواتهم، وعلى ثقافاتهم، وعلى مجتمعاتهم، وعلى العالم”.
وجوابا عن سؤال تجدّد الاهتمام بعطاء محمد عزيز الحبابي، سبق أن قالت في حوار مع هسبريس، الأكاديمية فاطمة الجامعي لحبابي، التي رحلت عن دنيا الناس سنة 2024، وكانت طالبة للراحل وزوجته بأن “فكر الحبابي ليس مغاربيا، بل عالميّ إنساني كوني.. ولا داعي لذكر أسماء أساتذة الفلسفة، لا الفلاسفة، الذين عملوا بكل جهدهم على إقبار اسمه، وفي الأخير فشلوا، وقد كانوا أصدقاءه وطلابه. كنا نتدارس مع الحبابي في بيتنا، ونأكل الرغيف والزيت والزيتون واللحم، وحينما غاب وجهه أرادوا أن يغيّبوه (…) الآن، الرجوع إلى الحبابي اضطرارٌ لتفعيل فِكْرِهِ الشخصاني، وتفعيل فكره المتخلِّق الغَدَوِيّ الذي يفرِّقُ بينَه وبين المستقبلية أنه مبني على الأخلاق وتجاوز أزمات العصر، رَفعا بالمغرب من جهة، وقولا بالحق في أن الإنسانية تحتاج فكر الحبابي، الذي أريد له أن يُقبَرَ ولم يتمّ ذلك”.