آخر الأخبار

"الوقف العلمي" .. مبادرة مغربية تزود طلبة ومكتبات بالمراجع والمؤلفات

شارك

تشجّع مبادرة مدنية مغربية على دعم البحث العلمي عبر التزويد بالكتب، حاملة على عاتقها استمرار حياة سُنّة مدنية جرت في بلدان، من بينها المغرب، تروم العمل الإحساني عبر “الوقف”، مع تركيز المبادرة الجديدة على “الوقف العلمي”.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مراكز معرفية وتعليمية كبرى في تاريخ المغرب قد سيّرت عبر أوقاف؛ ومن أبرزها جامعة القرويين، وهو ما سبق أن شرحه في ذكرى 12 قرنا منذ تأسيس “جامع القرويين” مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، قائلا: “للمسلمين نظام اقتصادي لا يمكن تجاوزه، وأكبر ما فيه مؤسسة الوقف، التي نشأت بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم (…) فكرة الوقف أن المال ليس فيه فقط مال الدولة والمال الخاص، بل توجد صيغة ثالثة بينهما، وهي صيغة سمحت للناس بدخول أبواب كثيرة في فعل الخير المستدام (…) ونشأت عنه نتائج كثيرة منها بناء المسجد النبوي (…)وكان هذا في المغرب أيضا، أي أوقاف لتحرير الإنسان (…) وكانت قيسارية للذهب وقفها لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان وقف للمكفوفين، وللنساء اللواتي لم يتزوجن حينما يقبلن على الزواج، ووقف لتعويض ‘الكاسُورات’، وإطعام اللقالق، ووقف للنساء اللواتي تقع لهن خصومة مع الأزواج (…) ومن وظائف الوقف نشر المعرفة (…) وتوفير مصروف الجيب للتلاميذ وللنجباء (…) وهذا ما كون لنا الشخصية العلمية، رغم الحروب والأزمات التي تصيب صناديق الدولة. وهذا ما مكن العلوم الإسلامية من الانتشار، ومن هذا تكوّن الأطباء والفقهاء”.

وفي سنة 2025، وصلت مبادرة “الوقف العلمي”، التي تشرف عليها “مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات”، دورتها الثالثة التي تروم توفير مراجع للطلبة وخاصة الطلبة الباحثين، عبر التبرع للمكتبات، وتوجيه طرود الكتب إلى طلبةٍ باحثين ينتقون من مختلف مناطق المملكة وتحدّد احتياجاتهم العلمية وفق تخصصهم، حتى لا تحول الإمكانيات المادية دون تتبّع طلبةٍ لتعدّد وتنوّع المراجع، لإعداد دراساتهم وأطاريحهم.

خديجة مفيد، رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون، قالت إن “فكرة الوقف العلمي هي فكرة منبثقة عن آليات تمويل المشاريع الهادفة، من منطلقات عقدية وقيم حضارية متجذرة في عمق تاريخ المغرب، وهي آلية يمكن اعتمادها في إطار الخيار التنموي المغربي الذي يركز على مبدأ التشاركية والمواطنة ودعم الدولة للإقلاع، وتحقيق مكانة متميزة في إطار التلاحم بين فئات المجتمع”.

ووضّحت مفيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن استثمار آلية “الوقف” في دعم نشر القراءة والبحث العلمي ينبع من كونه “آلية دعم المشاريع في إطار الاستقلالية المالية، وتحقيق التنمية”. ولذلك، “تم الاهتمام بهذه الآلية من منطلق عقلية الباحث الذي يشتغل في العمل البحثي، ويسعى إلى تطوير آلياته”.

وأبرزت رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون هذه أن “الفكرة تبلورت بعد مشاركة علمية في مؤتمر علمي حول الوقف، معنونة بـ’المرأة والوقف’ قدمتُ فيها ورقة تحت عنوان ‘المرأة والوقف.. التجربة المغربية'”، لافتة إلى أن “هذا الفضول العلمي والبحث أدى إلى الاهتمام بالتجربة المغربية عموما وتجربة المرأة خصوصا، وأوقعتني في عشق أربع شخصيات؛ هي: شخصية فاطمة الفهرية من فاس، وتعلات من سوس، وأم قاسم المرادية من آسفي، وأبي العباس السبتي من مراكش. وهذه الشخصيات الملهمة دفعتني إلى تطوير آليات العمل الجمعوي، وجعل المواطنين في قلبه، وتمكينهم من إيجاد الحلول، وإشعال الشموع بدلا من لعن الظلام، وتقديم مشاريع ناجحة على أرض الواقع”.

وتركز هذه التجربة، وفق خديجة مفيد، على “دعم الموارد البشرية وتأهيلها”، مردفة أن من بين مجموعة من المشاريع الوقفية التي أطلقتها هذا المشروع المرتبط بـ”الوقف العلمي” الذي بدأ بـ”أسهم بسيطة، وتحقق بموجب ذلك إنجاز نموذجي؛ على مستوى النشر، والمنح الدراسية، وتزويد المكتبات بالكتاب”، ونُقل بعد ذلك إلى “مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات” من أجل “تجديد الفكر، وتمكين علم مدرسة الغرب الإسلامي التي للمغرب فيها ريادة متميزة”، مع تنبيه المصرحة إلى أن تصور الوقف العلمي الذي كان سائدا لقرون في المغرب ودول أخرى ذات الغالبية المسلمة قد استفادت منه “جامعات كبرى، واعتمدته في منح الطلبة، ودعم البحث العلمي، وأخذته من الرؤية الحضارية الإسلامية، في حين تخلينا عنه”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا