خلّف الحكم الصادر في حق الناشطة ابتسام لشكر، بتهمة الإساءة إلى الذات الإلهية، جراء كتابتها عبارة مسيئة على قميصها، ردود أفعال متباينة بحدّة في المغرب، بين فريق يساند “حقّ السيدة في التعبير بشكل مطلق عن قناعتها في إطار التزامات البلد الدولية” وبين آخر يرى الإدانة “ضرورة” لـ”حماية المقدسات والثوابت الدينية والوطنية؛ وعلى رأسها الذات الإلهية”.
المحكمة الابتدائية بالرباط قضت، الأربعاء، بإدانة الناشطة ابتسام لشكر، بسنتين ونصف السنة حبسا نافذا، وغرامة مالية تناهز 50 ألف درهم، بعدما انتشرت لها صور بقميص صيفي يحمل عبارة تصف الله بـ”المثلية”؛ وهو الأمر الذي لقي رفضا من لدن كثيرين شددوا على “ضرورة التمييز بين حرية التعبير وأشياء أخرى”.
اعتبرت سعاد البراهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الحكم الصادر في حق الناشطة ابتسام لشكر “غير منصف، وغير عادل، وغير مؤسس قانونيا”، مؤكدة أن “القضية تندرج ضمن ممارسة مشروعة لحرية الرأي والتعبير؛ فما قامت به المعنية لا يتعدى نشر صورة، دون أن يتوفر أي عنصر آخر كالتحريض على الكراهية أو العنف أو التمييز”.
وأضافت البراهمة، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس، أن “الحكم يتعارض مع التزامات المغرب الدولية، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب واعتمده الدستور كمرجعية في نصوص عديدة”.
وفي هذا الصدد، ذكّرت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن “ديباجة الدستور تنص صراحة على ضرورة ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية في حال تعارضها؛ وهو ما لم يُحترم في هذه القضية”.
وأوضحت الفاعلة الحقوقية أن “المحكمة كان ينبغي أن تراعي مبدأ البراءة كأصل، وأن تُجري المتابعة، إن وُجد ما يبررها، في حالة سراح، مراعاة لظروفها الصحية”.
وشددت المتحدثة على أن “غياب شروط المحاكمة العادلة يُضعف من مصداقية الحكم”، معتبرة أن “القضاء كان مطالبا بالتحلي بالاستقلالية والنأي عن أي تأثير خارجي سواء أكان رأيا عاما أو أي جهة أخرى”.
وفي السياق ذاته، اعتبرت البراهمة أن “هناك تأثيرا وضغوطات كانت ترافق الحكم، لا سيما من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”، مشيرة إلى أن “القضاء يجب ألا ينصاع للرأي العام، بل أن يظل وفيا لقواعد العدالة والمساواة أمام القانون”.
وختمت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالتأكيد على أن ما تعرّضت له لشكر هو “تضييق صريح على حرية الرأي والتعبير”، داعية إلى مراجعة هذا الحكم وإعادة الاعتبار لمبادئ حقوق الإنسان التي التزم بها المغرب دوليا ودستوريا؛ لأن الدفاع عن هذه الحقوق مسؤولية جماعية لا تقبل التجزئة أو الانتقائية.
بالمقابل، ساند حسن الموس، الباحث في العلوم الشرعية وعضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث، الحكم الصادر في حق لشكر معتبرا أنه يأتي في إطار الحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية.
وشدد الموس، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “حرية التعبير، وإن كانت مكفولة للمواطنين وضمن السياق الإسلامي، لا يمكن أن تتعدّى على المقدسات التي توحّد أبناء الوطن؛ فما قامت به السيدة يمثل كلاما خطيرا جدا يستوجب تدخل النيابة العامة”.
وأضاف الباحث في العلوم الشرعية وعضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث أن “حرية التعبير يجب أن تُمارَس ضمن حدود لا تسيء إلى القيم العليا والمقدسات الدينية”، مشيرا إلى أن “جميع دول العالم، بما فيها فرنسا التي تُعدّ من أكثر الدول دفاعا عن حرية التعبير، تحرص على حماية مبادئ الجمهورية ولا تسمح بالتعدي عليها. لذلك، يوجد فرق كبير بين “التعبير عن الرأي” وبين “الاعتداء على معتقدات يشترك فيها ملايين المواطنين”.
وأكد المتحدث أن “التساهل مع مثل هذه التجاوزات قد يؤدي إلى ردود فعل خطيرة من قِبل بعض الأفراد؛ ما قد يهدد السلم المجتمعي”، مبرزا أن الشريعة الإسلامية تنهى عن أخذ الإنسان للحق بنفسه؛ لكنه تساءل في المقابل: “إلى أين يمكن أن نصل إذا تُرك هذا النوع من الخطاب دون متابعة؟”، ضاربا المثال بما قد يقع في مجتمعات أخرى تُقدّس رموزا دينية.
وأبرز الموس أن “تصريحات تمس الذات الإلهية تمثل تجاوزا لحرية التعبير، وليست مجرّد رأي شخصي، لا سيما إذا كان هذا الاعتداء موجها لمعتقد يؤمن به أكثر من 35 مليون مغربي”، مشيرا إلى أن “من واجب القضاء والنيابة العامة التدخل في مثل هذه الحالات لحماية القيم الجامعة التي تقوم عليها الهوية الوطنية، تماما كما تتدخل لحماية النظام الملكي من المساس”.
وأجمل الباحث في العلوم الشرعية وعضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث قائلا: “الدفاع عن الحق في حرية التعبير لا يعني القبول بالتطاول على الثوابت الدينية”، معتبرا أن “الله” هو المرتبة الأولى في شعار “الله، الوطن، الملك”، ومؤكدا أن التعبير عن عدم الإيمان شيء، أما التفوّه بكلام فاحش في حق الذات الإلهية فهو “تجاوز كبير للحدود لا تقبله أية دولة تحترم نفسها ومبادئها”.