وصفت الدكتورة فرح الشريف، الباحثة الزائرة في جامعة ستانفورد والمتخصصة في دراسات الإسلام، الوضع الحالي للعالم الإسلامي بأنه “جسد مريض وموجوع ومصاب بجروح”، معتبرة أن الإبادة الجماعية في غزة لم تكن مجرد مأساة إنسانية، بل كانت الكاشف الأكبر لـ “العفن الأخلاقي” المتجذر في النخب الحاكمة والقيادات الدينية التي تم تنصيبها ودعمها من قبل القوى الغربية.
جاء ذلك خلال مقابلة أجراها معها الصحفي المخضرم كريس هيدجز ، خلال فبراير الماضي، حيث استعرضت الشريف الأسباب التاريخية والسياسية التي أوصلت العالم الإسلامي إلى “حالة يرثى لها”، مشيرة إلى أن الخيانة والتواطؤ أصبحا سمة أساسية للعديد من الأنظمة الحاكمة.
صدمة الخيانة أشد من القنابل
استهلت الشريف حديثها بالتأكيد على أن الجرح الأعمق الذي يشعر به أهل غزة ليس ناجما عن القنابل الأمريكية والإسرائيلية، بل عن “جبن الأقربين وتواطؤهم وتخليهم”، مضيفة أن “هذا هو مصدر ندبتهم العاطفية والنفسية الحقيقية”.
ووصفت الشريف العالم الإسلامي بأنه عالق بين مطرقة القصف الوحشي وسندان “الدمى التي نصبها الاستعمار، والتي تتنافس على إرضاء الإمبراطورية والانحناء لها”، معتبرة أن هذا التواطؤ، لا يقتصر على الصمت، بل يمتد إلى التعاون الفعلي.
وأشارت الباحثة الزائرة في جامعة ستانفورد، إلى أنظمة القمع والمراقبة التي تخنق الشعوب في دول مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن، حيث يُحتجز السجناء السياسيون في ظروف مروعة.
إرث استعماري وأنظمة وظيفية
أعادت الشريف الأزمة إلى جذورها التاريخية بعد حقبة الاستعمار، حيث تم تقسيم العالم الإسلامي إلى “دول قومية مصطنعة”، موضحة أن هذه الدول، التي استمتعت بـ”سيادة زائفة”، تم بناؤها على أساس مصالح القوى الاستعمارية، مثل بريطانيا وفرنسا، قائلة إن “حكام الأردن الهاشميون تم فرضهم على الشعب الأردني، ومصالح النفط هي التي خلقت حكام المملكة العربية السعودية”.
وشددت على أن هذه الأنظمة، التي وصفتها بأنها “بقايا نتنة من الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية”، لم تُصمم لخدمة شعوبها، بل للحفاظ على مصالح داعميها الغربيين. ونتيجة لذلك، أصبحت جيوشها موجهة لقمع شعوبها بدلا من الدفاع عن قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين.
ولم تكتفِ الشريف بالحديث عن الصمت، بل كشفت عن أشكال الدعم النشط الذي تقدمه بعض الأنظمة العربية لإسرائيل في خضم الإبادة الجماعية، مشيرة بشكل خاص إلى “الجسر البري” الذي ينقل البضائع من الإمارات والسعودية عبر الأردن إلى إسرائيل، لكسر الحصار الذي فرضته اليمن في البحر الأحمر. وقالت: “صناديق الطماطم والخيار والخس تذهب لإطعام المستوطنين والجنود بينما يتضور أهل غزة جوعا”.
كما انتقدت بشدة “اتفاقيات أبراهام”، التي وصفتها بأنها مشروع خبيث يهدف إلى “صناعة إسلام متوافق” أو “إسلام كويزلينغ” (نسبة إلى المتعاونين مع النازية)، مبرزة أن هذه الاتفاقيات، التي رعاها جاريد كوشنر، تستخدم لغة دينية من خلال استدعاء شخصية النبي إبراهيم لمنح “غطاء نبوي لاهوتي” لهذا “التواطؤ الخياني”، وكل ذلك على حساب القضية الفلسطينية.
الحرب على الإرهاب.. صناعة العدو وتدمير الوعي
ربطت الشريف بين القمع الداخلي والمشروع الغربي الأوسع المتمثل في “الحرب على الإرهاب”، التي وصفتها بأنها “حربُ إرهابٍ” تشنها الدول، مشيرة إلى أن هذا المفهوم تم “طبخه في تل أبيب” في أواخر السبعينيات لتغيير العدو من “الخطر الأحمر” (الشيوعية) إلى “الخطر الأخضر” (الإسلام).
هذا الخطاب، بحسب الشريف، تم استيعابه داخليا من قبل العديد من القادة والعلماء المسلمين، مما أدى إلى “وعي مدمر” وشعور بالدونية، ودفعهم إلى تقديم الاعتذارات والتأكيدات بأن “الإسلام سلمي ومتوافق مع الديمقراطية”، وهو ما اعتبرته موقف ضعف وتخلٍ عن جوهر الرسالة الإسلامية الداعية للعدل وقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة، اختتمت الشريف حديثها بدعوة إلى الأمل والعمل، مؤكدة أن هذا “الوحش” أو “النظام العالمي الشبيه بفرانكشتاين” بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن هذا الانهيار الأخلاقي الفاضح يفتح فرصة للمسلمين لاستعادة زمام المبادرة.
ودعت الشريف إلى التحرر من “العقلية المستعمَرة” على المستويين الفكري والروحي، والعودة إلى جوهر الإسلام كرسالة عالمية للعدل والرحمة، مستشهدة بشخصيات مثل مالكوم إكس، الذي وصفته بـ”الشهيد الأمريكي العظيم”، وبصمود أهل غزة أنفسهم، الذين أصبحوا “معلمين ونماذج في الإيمان” من خلال تضحياتهم.
وأضافت: “لقد تحول المقهورون إلى معلمين، تماما كما أن الودعاء سيرثون الأرض في المسيحية”، مختتمة حديثها بالتأكيد على أن الانهيار الحالي، على الرغم من قسوته، قد يكون المقدمة الضرورية لولادة عالم مختلف وأكثر عدلا، عالم يتجاوز الإرث السام للاستعمار وحكامه الوظيفيين.