مع نهاية شهر غشت تشهد مدن الشمال عودة السياح والمصطافين، الذين توافدوا على شواطئها من كل حدب وصوب، إلى مدنهم استعدادا لاستئناف حياتهم العادية وسط أجواء يخيم عليها الدخول المدرسي؛ غير أن هذه العودة تخلف وراءها الكثير من التحديات البيئية في مدن الاستقبال وشواطئها بشكل خاص.
قنينات البلاستيك وأكياس الطعام الجاهز و”الشيبس” والمشروبات الغازية وغيرها من مخلفات الاستهلاك تعج بها الشواطئ، بعد صيف مزدحم قاد آلاف المغاربة إلى زيارة شواطئ مدن الشمال، التي صارت تغويهم بزيارتها سنة بعد أخرى.
لكن الوضع البيئي لهذه الشواطئ بعد كل موسم اصطياف يثير انتقادات كبيرة من قبل السكان المحليين، خاصة القريبين من الشواطئ، الذين يرفضون سلوكيات الزوار والمصطافين، الذين يخلفون وراءهم أكواما من الأزبال والنفايات التي تهدد الشواطئ والفضاءات، التي تئن تحت وطأة التلوث الذي يهاجمها في كل وقت وحين.
إبراهيم، واحد من سكان قرية الحجريين القريبة من شاطئ سيدي قاسم الواقع بضواحي مدينة طنجة، يرى أن المصطافين، الذين يقصدون الشاطئ الممتد على الواجهة الأطلسية، “لا يتقيدون بأي ضوابط في التعامل مع الفضاء والحفاظ على نظافته”.
وقال الشاب الثلاثيني، الذي التقته جريدة هسبريس الإلكترونية مع غروب الجمعة الأخير من شهر غشت الجاري، إن “النظافة تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لنا. الكل يترك خلفه الأزبال مرمية في مشهد يصعب تفسيره”.
وتابع الشاب وعلامات الغضب بادية على محياه “الكل يرمي الأزبال في الشاطئ. المشكل ثقافي بامتياز ولا يرتبط بالمستوى الاجتماعي للزوار، إذ الجميع يدمن هذا السلوك المشين، ويهدد المجال البيئي بمزيد من التدهور”، مطالبا السلطات والمسؤولين بتحرك سريع لتدارك الموقف وجمع مخلفات الصيف قبل أن تجرفها المياه.
وفي تعليقه على الموضوع، قال أحمد الطلحي، الخبير في المناخ والمجال البيئي، إن السنوات الأخيرة سجلت إقبالا كبيرا على الشواطئ والمناطق السياحية في شمال المملكة، سواء من قبل مغاربة الداخل أو مغاربة العالم، والسياح الأجانب بدرجة أقل.
وأضاف الطلحي، في تصريح لهسبريس، أن هذا الإقبال الكثيف على الشمال جعل مدنها وسواحلها في السنوات الأخيرة “الوجهة الأولى على مستوى السياحة الداخلية، إذ تستقبل ملايين السياح المغاربة ومغاربة العالم”.
وأبرز أن المناطق السياحية مطالبة بأن تكون مجهزة بوسائل النظافة الضرورية من وسائل وآليات لجمع النفايات، سواء الصغيرة أو عبر الحاويات وعمليات التنظيف اليومي، وجمع جمع النفايات بشكل منتظم.
وتابع موضحا أن الإقبال الكبير للسياح على هذه المدن والشواطئ يجعل الإمكانيات والوسائل المرصودة للنظافة والتطهير غير كافية لمواكبة هذه الحركية وما ينتج عنها، لافتا إلى أن المواطنين، سواء الساكنة المحلية أو الوافدين، “يسقطون في بعض السلوكيات غير الحضارية، مثل رمي القمامة في غير الأماكن المخصصة لها، وهذا يتسبب في انتشار الأزبال وتلويث الشواطئ التي تعرف إقبالا كبيرا”.
وبخصوص المسؤوليات ومن يتحملها، أرجع الخبير البيئي ذاته الأمر أساسا إلى الجماعات المحلية التي ليست لها إمكانيات، مضيفا أن “هذا الأمر لا نجده في المدن الكبرى حيث الجماعات لها إمكانيات كبيرة كمدينتي طنجة وتطوان وغيرهما، ولكننا نجده في الجماعات التي لها إمكانيات أقل، سواء على المستوى البشري أو المالي”.
وأكد أن الضغط المرتفع الناتج عن عدد الزوار الكبير لهذه المناطق السياحية تتحمل مسؤوليته الجماعات، مضيفا أن وزارة الداخلية الوصية عليها مطالبة بتشجيع ودعم قطاع النظافة بهذه الجماعات، خصوصا في فترات الذروة السياحية.
كما حمل الطلحي السياح المسؤولية أيضا، إذ بين أنه حتى إن كانت الإمكانيات المرصودة لقطاع النظافة محدودة، فـ”على الأقل المواطن عليه أن يحاول ما أمكن المساهمة في عدم تلويث هاته المناطق السياحية لأنه هو الذي سيتضرر في النهاية”.
وطالب بضرورة الاستثمار في توعية وتنبيه الساكنة وزوار المناطق الساحلية بضرورة الوعي بأهمية النظافة والحفاظ على البيئة، مشددا على ضرورة اعتبار “الفضاءات العمومية مثل البيوت لأن الإنسان داخل بيته لا يرمي القمامة والنفايات، لكن قد يرميها من نافذة بيته على الفضاء العام”.
كما شدد على أهمية المجتمع المدني في عملية التحسيس خارج فترات المواسم السياحية، والعمل على تكثيفها خلال موسم الصيف في المناطق السياحية، خصوصا في الشواطئ. وطالب بضرورة قيام الإعلام العمومي والمحلي بأدواره في التوعية البيئية، والتشجيع على الممارسات الحضارية في الأماكن السياحية.