اهتزت جماعة المنزه ضواحي عين عودة على وقع مأساة عائلية امتدت لأكثر من عقدين، تورط فيها أب ستيني اعترف بمعاشرة ابنته، التي أنجبت منه حفيداته اللواتي يُحتمل أنهن بناته في الوقت نفسه؛ وهو ما أعاد النقاش حول موضوع زنا المحارم بين الأب وبين ابنته، والذي يُعتبر من أعقد القضايا النفسية والاجتماعية التي يتناولها الطب النفسي الإكلينيكي، إذ يجمع بين السلوك المنحرف وبين الصدمة العاطفية العميقة التي تهز كيان الأسرة وتدمر البنية الرمزية لعلاقة الأب بابنته.
وكانت مصادر هسبريس أكدت أن نتائج الخبرة الجينية التي تم إجراؤها على الأبناء الستة كشفت أن أربعة منهم هم من صلب الأب، أي أنه والدهم وجدهم في الآن نفسه.
وفي هذا السياق، تُثار مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول طبيعة الاضطرابات النفسية أو الخصائص الشخصية التي قد تدفع الأب إلى ارتكاب زنا المحارم مع ابنته، وحجم الآثار النفسية التي تخلّفها العلاقات الجنسية على الابنة الضحية. كما تبرز الحاجة إلى اعتماد سبل علاجية أكثر فاعلية لمواكبة الضحية في تجاوز صدمتها واستعادة توازنها النفسي.
ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت: “ليس كل مرتكب زنا المحارم بالضرورة مصابًا باضطراب نفسي سريري، إذ أحيانًا يكون السلوك نتيجة انحراف جنسي مرضي (Paraphilia) ؛ مثل اضطراب البيدوفيليا أو اضطراب الفيتيشية، حيث تنحرف الميولات الجنسية نحو الأطفال أو الأقارب”.
وأشارت الفضل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنه “في حالات أخرى، قد يعكس السلوك اضطرابًا في الشخصية (خاصة المعادية للمجتمع أو النرجسية)، حيث يغيب التعاطف والقدرة على ضبط الرغبات. كما يمكن أن يلعب الإدمان على الكحول أو المخدرات دورًا في خفض الضوابط الأخلاقية والاجتماعية”، منبّهة إلى أن “مثل هذا السلوك ينطوي على خلل أخلاقي واجتماعي عميق، وقد يكون المرض النفسي عاملًا مساعدًا للوقوع في زنا المحارم، وليس المبرر الأساسي له”.
وعن الآثار النفسية العميقة على “الابنة الضحية”، أكّدت الأخصائية والمعالجة النفسية الإكلينيكية أن “زنا المحارم يترك جراحًا نفسية معقّدة جدًا، غالبًا ما تكون طويلة الأمد؛ كاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) على شكل كوابيس، واسترجاع ذكريات مؤلمة، ويقظة مفرطة، وتجنّب مواقف مرتبطة بالحدث. كما يتسبب في فقدان الثقة بالذات والآخرين، لأن الأب حين يصير هو المعتدي تنهار صورة ‘الحماية’ و’الأمان’؛ مما يولّد شعورًا بالخيانة العميقة”.
ونبّهت المتحدثة ذاتها إلى أن “ضحية زنا المحارم قد تصاب باضطرابات الهوية، خصوصًا مع إنجابها من والدها، قد تعيش تمزقًا داخليًا وصراعًا حول معنى أن تكون ‘ابنة’ و’أم’ في الوقت نفسه”، إضافة إلى “شعور الضحية بالذنب والعار؛ لأنها وإن كانت ضحية، فإن المجتمع قد يحمّلها اللوم أو تداهمها أفكار بأنها مشاركة فيما حدث”.
وقالت ندى الفضل إن “ضحية زنا المحارم قد تصاب باضطرابات المزاج؛ كالاكتئاب الشديد، والميولات الانتحارية، والقلق المزمن، والشعور بالفراغ، إضافة إلى صعوبات في العلاقات المستقبلية، كالخوف من الرجال، والعزوف عن الزواج أو مشاكل في العلاقة الجنسية العاطفية لاحقًا”.
وعن الجانب العلاجي، أفادت ندى الفضل بأن “إنقاذ الضحية وإعادة بناء ذاتها يتطلب تدخلا متعدد الأبعاد؛ كالتدخل النفسي عن طريق العلاج النفسي الفردي (Trauma-focused therapy) المرتبط بالعلاج المعرفي السلوكي الموجّه للصدمة (TF-CBT) أو علاج الـ EMDR لإعادة معالجة الذكريات الصادمة، والعلاج الداعم (Supportive therapy) لمساعدتها على استعادة الأمان وبناء الثقة، والعلاج الدوائي في حال وجود اكتئاب شديد أو قلق أو أعراض ذهانية”.
وشددت الأخصائية النفسية والمعالجة الإكلينيكية على أهمية “الدعم الاجتماعي”، ودعت إلى “إبعاد الضحية كليًا عن المعتدي وخلق بيئة آمنة” و”إشراك مؤسسات حماية الطفولة والمرأة لضمان عدم إعادة تعريضها للخطر” و”اعتماد برامج دعم وتمكين؛ كالتعليم والعمل لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية وكسر حلقة التبعية”.
وأكّدت الفضل على أهمية “الدعم الأسري والمجتمعي”؛ وذلك من خلال “توعية المحيط بأن الضحية ليست مذنبة، ومحاولة إدماجها في مجموعات دعم مع ناجيات أخريات من الاعتداءات الجنسية، لتعزيز الشعور بعدم الوحدة”.