مستفيدة من تصنيف “منخفض المخاطر” في إطار التشريع الأوروبي الجديد لمكافحة إزالة الغابات، المنتظَر أن يدخل حيز التنفيذ في دجنبر 2025، تنفتح أمام المملكة المغربية آفاق واسعة لتعزيز العلاقات التجارية مع شريكها الاقتصادي والتجاري الأول، بشكل يضمن مراعاة المعايير البيئية والتنمية المستدامة.
وصُنف المغرب من طرف التكتل الأوروبي ضمن 140 دولة فقط من أصل 195 دولة في العالم حاصلة على “وضعية تجارية تفضيلية”، قبل دخول القانون حيز التنفيذ متم السنة الجارية.
وتمثل “اللائحة الأوروبية لمكافحة إزالة الغابات” (المعروفة اختصارا بـRDUE) أهم تحول في السياسة التجارية الأوروبية منذ عقود، إذ تُلزم الشركات بإثبات أن المواد الخام المستوردة لم تساهم في إزالة الغابات عالمياً؛ فيما يستهدف التشريع سبعة أنواع من السلع الأساسية: لحم البقر والكاكاو والقهوة وزيت النخيل والمطاط وفول الصويا، فضلا عن الأخشاب.
وفي هذا الإطار ترى الباحثة فاطمة الزهراء مساعيد، أستاذة متخصصة في اقتصاد البيئة والتنمية المستدامة بجامعة ابن طفيل، أن “على المغرب اغتنام هذه الفرصة بعد أن حصل على وضعية تفضيلية في التجارة مع اقتراب تطبيق الاتحاد الأوروبي قوانين صارمة لمكافحة إزالة الغابات”، مبرزة أن “القوانين الأوروبية الجديدة تضع المغرب، فعلًا، ضمن دول مختارة تتمتع بوصول مبسط إلى الأسواق”.
وسجلت مساعيد أنه “بعيداً عن الجوانب التجارية تتيح اللائحة الأوروبية بشأن إزالة الكربون (RDUE) للمغرب فرصة فريدة لتعزيز دبلوماسيته الاقتصادية الخضراء؛ فمن خلال تموقعه كمركز إقليمي للامتثال البيئي يمكنه أن يعرض خبرته التقنية على بلدان إفريقية أخرى، ما يعزز ريادته على الصعيد القاري”.
وفق نظام التصنيف الجديد ستخضع الصادرات المغربية لمعدل تفتيش يبلغ 1 في المائة من الشحنات فقط، مقارنة بـ 9 في المائة للدول عالية المخاطر (مثل روسيا وميانمار)، و3% للدول ذات المخاطر المعيارية، بما فيها البرازيل.
وتُترجَم هذه الميزة التنظيمية، بحسب مساعيد ضمن إفادات توصلت بها الجريدة، إلى “توفير كبير للوقت والتكاليف للمُصدرين المغاربة الذين يصلون إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم”، مردفة: “تضع الوضعية التفضيلية المغربَ إلى جانب اقتصادات كبرى منها الولايات المتحدة وكندا والصين في فئة المخاطر المنخفضة، بينما تستثني منافسين مهمين مثل البرازيل وإندونيسيا من المزايا نفسها”.
في تقدير الباحثة في اقتصاد البيئة “يُتوقع أن يستفيد قطاع الغابات المغربي أكثر من القوانين الجديدة؛ لِما تمُثله غابات البلوط الفليني الممتدة عبر جبال الأطلس، ومزارع الأوكالبتوس في المناطق السهلية، من قيمة إستراتيجية بالنسبة لواردات السوق الأوروبية المتطورة”.
وتشير المتحدثة إلى أن “المغرب قد يبرز كمحور إقليمي للمعالجة، حيث يمكن تحويل المواد الخام من الدول الإفريقية عالية المخاطر قبل تصديرها للأسواق الأوروبية بمتطلبات توثيق مبسطة”.
رغم التصنيف المميز سالف الذكر “يجب على المصدرين المغاربة تلبية متطلبات توثيق صارمة، تشمل: إحداثيات دقيقة لنظام تحديد المواقع العالمي لمناطق الإنتاج، وشهادات رقمية تثبت الامتثال للقوانين المحلية، وأنظمة تتبع إلكترونية من المزرعة للمصنع”، وفق الباحثة المغربية.
ويكمن التحدي الأساسي في “محدودية البنية التحتية التكنولوجية بين المنتجين والمزارعين في المناطق القروية”، وفق مساعيد، شارحة بالقول: “يفتقر كثيرون منهم إلى إمكانية الوصول إلى أنظمة تحديد المواقع المتقدمة أو أدوات التوثيق الرقمي. ويعترف المسؤولون الحكوميون بضرورة استثمارات كبيرة في التدريب والمعدات لاستغلال الميزة التجارية”.
يخضع تصنيف المخاطر المنخفضة للمراجعة الدورية، إذ من المقرر أن تعيد المفوضية الأوروبية تقييم تصنيفات الدول عام 2026 بناء على بيانات محيَّنة من منظمة الأغذية والزراعة (فاو). وعلقت المتحدثة: “قد يؤدي تدهور ممارسات إدارة الغابات أو المعايير البيئية إلى فقدان المغرب وضعيته التفضيلية؛ بينما تطبق الدول المنافسة ذات التصنيفات المماثلة، بما فيها فيتنام وتركيا، إستراتيجيات بالفعل لتعظيم مزاياها في السوق تحت الإطار التنظيمي الجديد”.
يُقدر اقتصاديون ومحللون متخصصون في الشأن التجاري أن القوانين الجديدة ستعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية، إذ تقوم الشركات الأوروبية بإعادة تكوين شبكات المصادر بشكل نشط للامتثال لموعد دجنبر 2025 النهائي. فيما “قد يضمن التبني المبكر للممارسات المتوافقة والشراكات الإستراتيجية عقوداً طويلة الأمد وفرص استثمار واعدة”.
وقالت فاطمة الزهراء مساعيد، ضمن تفاعلها مع الموضوع: “إن الموقع الجغرافي للمغرب الذي يربط بين إفريقيا وأوروبا، مقترناً بالعلاقات التجارية القائمة مع الاتحاد الأوروبي، يمنح مزايا إضافية في استغلال التحول التنظيمي. لكن النجاح يتطلب إجراءً فورياً لتطوير البنية التحتية التكنولوجية الضرورية وأنظمة الامتثال”، داعية إلى “استجابة المملكة لهذا التغيير التنظيمي بشكل سيحدد انضمامها لصفوف الاقتصادات الناشئة التي استغلت المزايا التجارية بنجاح”.