بعد فترة العطلة الصيفية التي تمتد لأسابيع طويلة يتغير معها بشكل كبير إيقاع الحياة اليومية للأطفال والمراهقين، سواء من حيث النوم المتأخر أو قلة الانضباط في المواعيد اليومية أو نوعية الأنشطة التي يغلب عليها الترفيه على حساب التعلم والتنظيم، يبرز مع اقتراب الدخول المدرسي إلحاح مسألة التهييء النفسي والذهني والجسدي لعودة سليمة لفصول الدراسة وأجواء التحصيل.
بشرى المرابطي، أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي، سجلت أن “الأسرة تتحمل، في المقام الأول، مسؤولية تهييء الأطفال والمراهقين للعودة إلى مقاعد الدراسة؛ من خلال الوعي بما تفرضه المدرسة من التزام وانضباط، سواء تعلق الأمر بالاستيقاظ المبكر أو القدرة على الانتباه والتركيز داخل الفصل”.
وفي هذا السياق، أكد المرابطي، ضمن تصريح لهسبريس، “أهمية الحوار المباشر مع الأبناء كخطوة أساسية لشرح طبيعة المرحلة الجديدة، التي تستدعي تقليص الأنشطة الترفيهية وإعادة ضبط إيقاع النوم والاستيقاظ”.
وتابعت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي مستدركة: “غيْرَ أن نجاح هذه العملية يظل مرتبطا بمدى استيعاب الناشئة لأهميتها.. وفي حال أبدى الأطفال مقاومة طبيعية بحكم رغبتهم في اللعب والانفلات من الضوابط، فإن مسؤولية الأسرة تقتضي ممارسة الحزم في ترسيخ القواعد، مع الحفاظ على قنوات الحوار والتواصل”.
وأضافت المتحدثة عينها أنها بذلك “تساهم في ضمان انتقال سلس ومتوازن من أجواء العطلة إلى أجواء الدراسة؛ بما ينعكس إيجابا على استعداد التلاميذ نفسيا وذهنيا لبداية موسم دراسي ناجح”.
وعموما، يمكن التأكيد، حسب الأخصائية النفسية ذاتها، أن “أهمية الاستعداد للدخول المدرسي ترتبط أساسا بطبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء؛ غير أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الآباء أكثر من الأبناء، بحكم أن بطبيعة المرحلة العمرية التي يمرون بها، يجدون صعوبة في التخلي عن أنشطتهم التي اعتادوا عليها خلال العطلة الصيفية”.
في تقدير المصرحة لهسبريس، يظل دور الآباء “محوريا، سواء على مستوى الحوار والتعاقد مع أبنائهم أو على مستوى إرساء الحزم والانضباط، فضلا عن المراقبة والحرص على تنزيل برنامج انتقالي يربط بين أجواء العطلة ومتطلبات المدرسة”.
وزادت الباحثة في علم النفس الاجتماعي بالتأكيد على “هذا المسار يضمن ولوجا سلسا ومتوازنا للناشئة إلى الحياة الدراسية، ويؤهلهم إلى التركيز والنجاح داخل الفصول الدراسية”، مشيرة إلى أن “ختام العطلة لحظة إيجابية تعزز علاقة الآباء بأبنائهم، من خلال ربط الدخول المدرسي بنشاط ترفيهي يختاره الأبناء أو حتى بمبادرة بسيطة (وجبة مميزة داخل البيت أو خارجه مثلا). فهذه العلاقة الشرطية، التي يؤكد علم النفس أثرَها، تمنح الأطفال شعورا إيجابيا بأن العودة إلى المدرسة ليست حدثا حزينا؛ بل مناسبة تُقرن بأنشطة وأحداث جميلة تظل عالقة في ذاكرتهم، مما يخفف من وطأة الانتقال من أجواء المتعة إلى أجواء الانضباط، ويجعل الدخول المدرسي تجربة سلسة وأكثر قبولا”.
وختمت بأن “مسؤولية التهييء للدخول المدرسي على الأسرة وحدها؛ بل تشمل مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مقدمتها الإعلام. فمن غير المنطقي أن تبث القنوات العمومية برامج ترفيهية متنوعة في أوقات متأخرة من الليل مع اقتراب الموسم الدراسي؛ بل ينبغي أن تراعي شبكة البرامج هذا التحول من خلال تقليص العروض الترفيهية خلال أيام الأسبوع، والاكتفاء بها في عطلة نهاية الأسبوع في أوقات مناسبة للأطفال والمراهقين. كما أن بث وصلات إشهارية تحفيزية تبرز قيمة المدرسة وتغرس الشغف بالتعلم يظل ضروريا، سواء عبر القنوات التقليدية أو عبر الوسائط الرقمية التي يقبل عليها الجيل الناشئ بشكل أكبر”.
جمال شفيق، خبير تربوي باحث في علوم التربية، أكد بداية على أهمية مواكبة التلاميذ ضمن مرحلة انتقالية لتهييء تدريجي قبل عودتهم لفصول الدراسة خلال شهر شتنبر”، مشددا في السياق على أهمية انتهاج “التحضير النفساني وترتيب الإيقاع البيولوجي للنوم لدى الأطفال”.
ودعا شفيق، متحدثا إلى هسبريس حول الموضوع، إلى أن “حلول شهر شتنبر يفرض على الأُسر مسؤولية حتمية بمواكبة أطفالهم/ن لضبط إيقاعات النوم المبكر وتجنب السهر عبر إدمان الألعاب الإلكترونية أو الهاتف”، مناديا أيضا إلى “استدماجهم تدريجيا في أجواء المطالعة وتقليل ساعات الترفيه ما أمكن”.
واعتبر الباحث ذاته أن “المهمة لا تكون سهلة أمام الآباء والأمهات وأولياء الأمور. لذلك، تبرز ضرورة التهييء النفسي الجيد لضمان انطلاق جيد في التحصيل الدراسي”.
وقال شفيق: “هنا، يمكن للآباء مناقشة أبنائهم في تفاصيل المستوى الدراسي والمضامين المرتقبة في سنتهم الدراسية الحالية لتقريبهم من الأجواء”.
وأشار الخبير التربوي الباحث في علوم التربية إلى الأُسَر بإمكانها الاستعانة بتنفيذ “استراتيجيات ميتا-معرفية (ما فوق معرفية) عبر تخصيص وقت للمطالعة مع أبنائهم مع اقتراب الدخول المدرسي وجعلهم في احتكاك مباشر مع الكتب والأدوات المدرسية، مع ضرورة الابتعاد عن الوسائل الرقمية، فضلا عن تعليمهم تحمل المسؤوليات والالتزام النفسي”.
واستدل بأن “تأثير استخدام مطول للهواتف والألعاب الإلكترونية على التحصيل الدراسي وزيادة منسوب الضغط النفسي والعدوانية بين التلاميذ مثبَتٌ بدراسات علمية عديدة، مؤكدا أن الاستعداد الجيد للموسم الدراسي يجب أن يستحضر أيضا نقاط الضعف ونقاط التطوير/التحسين، مع تغذية متوازنة وإيقاع يومي منظم”.
كما نوّه إلى أهمية استفادة التلاميذ في انطلاقة الدخول المدرسي من “أسبوع الدعم بمواكبة الأساتذة وتدارك الثغرات التعليمية”؛ فيما قد يمتد الأمر إلى أسبوعين أو ثلاثة ببعض المدارس.
وفي السياق ذاته، “تضطلع المدرسة بدور أساسي في ضمان اندماج سلس للتلاميذ”، إذ تنص مذكرات وزارة التربية الوطنية على تخصيص الأسبوعين الأولين من الموسم لتقييم مكتسبات السنة الماضية وتنظيم أنشطة موازية تساعد على الاستعداد النفسي والذهني لاستقبال المقرر الجديد، الذي يتميز بكثافته.
وخلص الباحثان إلى أن “إنجاح الدخول المدرسي رهين بتكامل أدوار الأسرة والإعلام والمدرسة والفضاءات الرقمية، بما يضمن تهيئة التلاميذ ذهنيا ونفسيا للعودة إلى مسار التعلم في أفضل الظروف”.