قال رؤساء الشعب ومنسقو الماسترات إن المقتضيات الجديدة لولوج تكوينات سلك الماستر بالمغرب، الواردة في دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية، “سترافقها إشكالات كثيرة على مستوى التنزيل، لكونها غير واضحة”، خصوصًا حين نصّت على أن “الانتقاء يتم، بعد دراسة ملفات الترشيح، بناءً على معايير القبول المحددة في الملف الوصفي للمسلك المعتمد”، مسجّلين أن “توقيت طرح هذه الإصلاحات يطرح بدوره أكثر من سؤال حول الجاهزية اللوجيستية وغيرها”.
ودعا بعض المعنيين، في تواصل مع جريدة هسبريس، إلى “إجراء تقييم وطني موسّع، حقيقي وموضوعي، لتشخيص أعطاب المنظومة وتحديد المداخل الممكنة للإصلاح”، مبرزين أن “أي إصلاح لا يمكن تنزيله دون الاستناد إلى معطيات تقييمية داعمة ومؤسِّسة”. والمهم، وفق أحد المتحدثين، “ليس اجترار ما جاء في القرار، فالكل اطّلع على مضمونه، بل اتخاذ موقف واضح منه، لا بهدف النقد في حد ذاته، بل من أجل التجويد والتقويم والاستشراف”.
رشيد لبكر، رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، قال إن “صدور هذا الدفتر في هذه الفترة الخاصة من السنة، ومعظم مكونات الجسم الجامعي مازالت تقضي عطلتها الصيفية، يطرح تساؤلات مشروعة حول كيفية أجرأته العملية، خصوصًا أننا لا تفصلنا عن الدخول الجامعي إلا بضعة أيام”، معتبرا أن “هذا التوقيت يثير إشكالات مرتبطة بالاستعداد البيداغوجي، وجاهزية الفاعلين الجامعيين واللوجستيين لتنزيل ما جاء فيه من مقتضيات في زمن ضيق وموسم جامعي يطرق الأبواب”.
وأورد لبكر، ضمن تصريحه لهسبريس، أن الغاية من هذا الدفتر، حسب اعتقاده، “هي الإصلاح، وهذه مسألة واضحة ولا جدال فيها، لكن السؤال الحقيقي ينبغي أن يتركز حول إصلاح ماذا؟ ولأجل ماذا؟”، معتبرا أن “هذا هو جوهر القضية، التي تفرض نقاشًا مجتمعيًا موسعًا ومتعدد الأطراف حول ‘جامعة الغد’ التي نطمح إليها”، وزاد: “بلادنا لم ترسم بعد رؤية واضحة المعالم لهذه الجامعة، ولا للإصلاح الذي يجب أن يواكب هذه الرؤية”.
كما تساءل الفاعل الجامعي: “هل يستهدف الإصلاح الرفع من عدد الخريجين؟ أم ينشد الجودة؟ أي نوعية الخريجين وقدرتهم على الاندماج في محيطهم، والاندماج هنا ليس بالضرورة في سوق الشغل، وإن كان لا ينفي هذا المطلب، إلا أنه لا يجعله الغاية من التعليم العالي، حتى لا تتحول الجامعة إلى مركز كبير للتكوين المهني، خاصة في بعض التخصصات”، مفيدا بأن “تقييم قرار حصر الولوج إلى سلك الماستر عبر المباراة أو فقط بدراسة الملف وجداول التنقيط ينبغي أن يُبنى على فهم دقيق للخلفيات والغايات التي على أساسها نفاضل بين هذا الخيار أو ذاك”.
وأكد رئيس شعبة القانون العام أن قراءته المتواضعة تفيد بأن “القرار الوزاري لم يتضمن تفسيرًا واضحًا لهذا الاختيار”، وبأن “ما قُدم بخصوصه مجرد تأويلات وتفسيرات متضاربة، خاصة في الشق المرتبط بضمان الشفافية والنزاهة”، مردفا بأن هذا الأمر، في تقديره، “لن يحل الإشكال، سواء اعتمدنا المباراة أو الملف، لأنه سيبقينا داخل حلقة مفرغة من الجدل: أيهما أسبق البيضة أم الكتكوت؟”.
كما لفت المتحدث إلى أن “المشكل الجوهري، الذي لم يتطرق إليه القرار، هو مدى قابليته للتنفيذ، على افتراض أن الغاية منه هي الجودة”، وتساءل: “كيف سنؤسس لهذه الجودة في ظل بنيات غير مساعدة؟ هل نستثمر في الطريق والعربة متهالكة، أم نستثمر في العربة والطريق مهترئة؟”، وكلا الخيارين، في نظره، غير مجد، ثم أضاف أن “أي إصلاح حتى يكون ذا جدوى لا بد له من مكونات بشرية ولوجيستية، ومن توزيع مجالي منصف للمؤسسات الجامعية”.
كما تساءل لبكر: “هل ما خُصّص من الوقت لإنزال القرار كان كافيًا لصياغة مسالك جديدة، وتقييمها ثم تقويمها قبل اعتمادها؟ وهل الطاقة الاستيعابية ستسمح بالتنفيذ؟ وهل البنيات الجامعية مناسبة؟”، مشددا على أن “طرح سؤال الإنصاف يوجد في هذا النطاق، لأن هناك بنيات جامعية تتوفر على ما يكفي من المسالك، وأخرى تُعد مسالكها على رؤوس الأصابع، رغم تزايد أعداد الطلبة بها”.
عبد الكريم الشباكي، منسق ماستر التربية الجمالية والتدبير الثقافي بكلية علوم التربية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “المذكرة الجديدة محرّرة بلغة غير واضحة وستطرح إمكانيات عديدة لتأويلها”، معتبرا أن “حصر الانتقاء في سلك الماستر على معيار النقط في الإجازة مثلا قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فالنقط لا تعكس دائمًا كفاءة الطالب أو استعداده الحقيقي لمواصلة الدراسة”.
وأشار الشباكي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “ظروفًا اجتماعية أو نفسية أو حتى صرامة بعض المؤسسات قد تجعل معدل 11 أو 12 أكثر دلالة من 15″، موردا أن “فتح الماستر أمام آلاف الطلبة فقط بناءً على المعدل، دون مراعاة الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية، سيُنتج أقسامًا مكتظة، وطلبة لديهم وضعيات خاصة قد يجدون متاعب في الولوج، ما قد يُفضي إلى معاناة لسنتين من التعامل مع هذا الوضع”.
وأكد المتحدث عينه “أهمية المقابلة الشفوية كمعيار أساسي في الانتقاء”، مشيرًا إلى أنها “متعارف عليها عالميًا، وتُمكّن من التعرف على شخصية الطالب، ومدى استعداده النفسي والمعرفي، وقدرته على التعبير والتحليل، وهي أمور لا يمكن للنقطة وحدها أن تُظهرها”، وزاد: “إلغاؤها بدعوى الحرص على تحقيق النزاهة المطلقة في الولوج إلى الماسترات هو تصور مثالي وغير واقعي، لأن النزاهة تُبنى وفق تصور عقلاني وشامل وموضوعي”.
وأكد منسق ماستر التربية الجمالية أن “المقتضيات الجديدة من جهة أخرى لا تشكل عقبة بالنسبة لهذا الماستر بالتحديد، لكونه يطلب ضمن المرفقات ملفا فنيا-تربويا يُبرز تجربة الطالب ومهاراته واهتماماته في مجال التخصص، ويكون طبعا إلى جانب الملف الإداري”، معتبرا أن “كليات الحقوق ستواجه إشكالات كبيرة بسبب هذه المذكرة، ومن المرجّح أن ترافقها صعوبات في التنزيل”.
من جهة أخرى اعتبر الأكاديمي عينه أن “هذه المذكرة، وإن كانت تحمل نوايا تنظيمية، قد تُستعمل لاحقًا كمدخل لتمرير منطق المسالك المؤدى عنها، وتحويل الماستر إلى شهادة مدفوعة، وترفع الدولة يدعها عن تمويل المؤسسات الجامعية”، مردفا بأن “هذا الأمر يأتي في سياق تفجر ملف بيع الشهادات بكلية ابن زهر بأكادير، بمعنى أنه عوض منح تحويلات مالية مباشرة لمنسق أو أستاذ بطرق ملتوية يتم توجيهها بشكل مباشر ومقنن نحو ميزانية الكلية”.