آخر الأخبار

طفرة أسعار الذهب تُغذّي صعود إمبراطوريات التهريب والجريمة المنظمة

شارك

في ظل موجة ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، يتسابق المهربون والمليشيات والتنظيمات الإجرامية للسيطرة على مواقع التعدين غير النظامي في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، في ما يشبه حمى ذهب جديدة، لكن بطابع دموي واقتصادي غير مسبوق.

ووفق تقرير موسّع نشرته صحيفة “فاينانشل تايمز”، باتت تجارة الذهب غير الشرعية واحدة من أكثر قطاعات الجريمة المنظمة ربحًا في العالم، متجاوزة في بعض الأحيان عائدات تجارة المخدرات، مستفيدة من هشاشة الحكومات، وتطور أدوات التهريب، ومرونة الذهب في الغسل والتداول.

تشير الصحيفة إلى أن القيمة السوقية للذهب تضاعفت ثلاث مرات خلال العقد الماضي، وارتفعت بأكثر من 25 في المئة منذ مطلع العام، ما جعله ملاذًا آمنًا في ظل الأزمات الاقتصادية والتوترات الجيو-سياسية.

لكن هذا الصعود في السعر حفّز مجموعات إجرامية، من بينها “عشيرة دل غولفو” في كولومبيا، وميليشيات متصارعة في السودان، وعصابات تهريب في الأمازون، للاندفاع نحو التعدين غير المشروع، سواء عبر فرض إتاوات على عمال المناجم أو السيطرة المباشرة على المواقع.

في جنوب إفريقيا، تبرز بلدة ستيلفونتين كنموذج لهذا الواقع، حيث سيطرت عصابات مسلحة على مناجم مهجورة، وشغّلت مهاجرين فقراء تحت الأرض في ظروف خطيرة. وقال أحد المستشارين الأمنيين للصحيفة إن “حروبًا مصغّرة تجري تحت الأرض”، يستخدم فيها المهاجمون عبوات ناسفة وأسلحة ثقيلة. أما في بيرو، فقد تمّ قتل 39 عاملًا خلال ثلاث سنوات في اعتداءات على مناجم شرعية من قبل عصابات نهب الذهب.

وفي منطقة الأمازون، أوضحت “فاينانشل تايمز” أن عصابات المخدرات التي كانت تستخدم الغابة كممرات آمنة بدأت تتحوّل إلى التعدين مباشرة، عبر تمويل المعدات وحماية المواقع. في البرازيل، تشير الشهادات إلى دخول منظمات مثل “كوماندو فيرميلو” و”بي سي سي” إلى مجال التعدين غير القانوني، مستخدمة مطارات سرّية ومعدات متطورة، ما دفع الحكومة البرازيلية في 2023 إلى إطلاق حملة واسعة ضد المناجم غير المرخصة، خاصة في أراضي قبائل اليانومامي، التي تضرّرت بيئيًا وصحيًا من الزئبق والتلوث.

الذهب المستخرج من هذه الأنشطة يُهرّب عبر ممرات عالمية معقدة تمر عبر ميامي، ومومباي، وهونغ كونغ، دون رقابة فعالة على سلاسل التوريد. وتشير تقديرات منظمة “سويس إيد” إلى أن 435 طنًا من الذهب تم تهريبها من إفريقيا عام 2022، أي ما يعادل 31 مليار دولار بأسعار ذلك العام.

في السودان، يتخذ الأمر بعدًا أشد خطورة؛ إذ تموّل ميليشيا الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة، بما فيها الإبادة الجماعية، عملياتها العسكرية من خلال السيطرة على مناجم الذهب، بحسب تقرير للأمم المتحدة. ويتم تهريب هذا الذهب لاحقًا إلى الخارج عبر شبكات تهريب معقدة.

وبحسب التقرير، فإن التشابه الكيميائي بين سبائك الذهب يجعل من شبه المستحيل تعقّب مصدرها الأصلي، ما يُسهّل مهمة التهريب والتبييض. ويشير مراقبون إلى أن ضعف الشفافية في الأسواق العالمية يزيد من قدرة الذهب غير المشروع على دخول قنوات التداول الرسمي.

أما في جنوب القارة الإفريقية، فتُشكل مناجم الذهب المهجورة ملاذًا لعشرات الآلاف من العمال غير النظاميين المعروفين باسم “زاما زاما”. هؤلاء، وغالبيتهم مهاجرون من موزمبيق وإسواتيني، يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر، ويتعرضون للاستغلال من قبل عصابات تسيطر على الموارد، فيما تكافح السلطات لإغلاق المناجم وقطع الإمدادات عن العاملين فيها. ومع ذلك، فإن محاربة الأفراد لا تفي بالغرض، بحسب أحد الخبراء الأمنيين الذي أكد أن الحل يكمن في الوصول إلى المموّلين والمستفيدين الحقيقيين من وراء الستار.

وفي كولومبيا، تسيطر عصابات مثل “عشيرة دل غولفو” على نهر كاوكا وتفرض إتاوات على عمال المناجم وأصحاب المتاجر على حد سواء، فيما تمدّ نفوذها إلى أنفاق مناجم صناعية مملوكة لشركات شرعية. الأمر ذاته يتكرر في نيجيريا والكونغو ومالي، حيث الذهب لا يُستخرج فقط من الأرض، بل من شبكات الفساد والسلاح والمال غير المشروع.

رغم الحملات الأمنية، تبقى قدرات الردع محدودة؛ إذ إن الرقابة الدولية على سلسلة توريد الذهب لا تزال ضعيفة، والتعاون بين الدول هش، والموارد المالية لإنفاذ القانون محدودة. وترى “فاينانشل تايمز” أن هذا الواقع يطرح أسئلة حرجة حول قدرة الدول على استعادة سيادتها على الموارد الطبيعية، وسط تمدد الجريمة المنظمة، وتحوّل الذهب من مخزن للقيمة إلى أداة لتمويل الحروب وتخريب المجتمعات.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا