في واحدة من مفارقات التنصيص على إحداث مؤسسات وطنية وإخراجها إلى حيز الوجود بالمغرب، لم يكتب لـ”أكاديمية محمد السادس للغة العربية” أن ترى النور بعد، على الرغم من تنصيص الميثاق الوطني للتربية والتكوين عليها قبل أزيد من ربع قرن.
ومنذ الأسابيع الأخيرة من سنة 1999، ظل إحداث هذه المؤسسة، التي أريد لها أن تكون “هيئة وطنية تحمي اللغة العربية وتساهم في تطويرها”، حبيس الأوراق، لا سيما بعد صدور القانون المنظم لها رقم 10.02 في سنة 2003.
غير أن ما ساهم أكثر في تأخير عمل هذه الأكاديمية هو تنصيص دستور 2011 على إحداث “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”، على أساس أن تُدمج في هياكله عند تنصيبه، مع العلم أن هذا المجلس بدوره لم يُنصَّب بعدُ، بالرغم من مصادقة البرلمان على قانونه التنظيمي رقم 04.16 في فبراير 2020.
وكانت الفقرة رقم 113 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين تنص بشكل صريح على ما يلي: “ابتداء من السنة الأكاديمية 2000-2001، تحدث أكاديمية اللغة العربية باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال (…) وتضم تحت سلطتها المؤسسات والمراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية”.
وبشكل دقيق، تتولى هذه الأكاديمية “إعداد التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال النهوض باللغة العربية وضمان حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، باعتبارها لغة رسمية للدولة، وتتبع تنفيذ هذه التوجهات بتنسيق وثيق مع السلطات والهيئات العمومية المختصة بعد دراستها والمصادقة عليها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي”، وفقا لما تنص عليه المادة 12 من القانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وسبق لمحمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن أوضح أنه تم إدراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية ضمن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، مفيدا بأنه “بعد تنصيب هذا الأخير سيتم تفعيل مقتضياتها، وهو ما من شأنه تعزيز الجهود المبذولة لتدعيم وتدريس اللغة العربية”.
ولا تنظر سميرة بن عبد الوهاب، أستاذة في المدارس الأوروبية ببروكسيل، بعين الرضى إلى هذه الوضعية التي تبرز بجلاء تأخرا زمنيا يصل مداه إلى 25 سنة لإنشاء أكاديمية خاصة باللغة العربية، حيث تساءلت بقوة عما يبرر ذلك.
وضمن إفادتها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أكدت بن عبد الوهاب أن “الأمر يعكس فعليا وضعية اللغة العربية بالمغرب، لا سيما وأنها باتت محاصرة في سوق البحث العلمي، في ظل زحف متواصل للغة الفرنسية، وتحديدا في التخصصات العلمية”.
وفي نقدها لهذا الواقع، استعانت المتحدثة بأمثلة من القارة الأوروبية؛ إذ سجّلت أن “تعليم اللغة الأم في المدارس الأوروبية لأبناء العاملين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي يعتبر قضية محورية في النقاش حول الهوية الثقافية والاندماج، حيث تبنى الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات الحية (CECRL)، الذي صدر عن مجلس أوروبا سنة 2001، مبدأ التعددية اللغوية والثقافية. ويهدف الأخير إلى تمكين كل مواطن أوروبي من إتقان لغتين أجنبيتين على الأقل إلى جانب لغته الأولى، مع تصنيف مستويات الكفاية من A1 إلى C2”.
وتساءلت أستاذة اللغة العربية للناطقين بغيرها بأوروبا أيضا إن كانت الأكاديمية المذكورة ستبقى “مجرد مشروع قانوني غير مفعل أم إنها ستتحول إلى مؤسسة فاعلة لحماية ‘لغة الأمة’ في المغرب كما وصفها الدكتور عبد العلي الودغيري، عالم اللغويات، في كتابه “لغة الأمة ولغة الأم'”. وقد أبرزت أن “الإشكالية المطروحة حاليا هي كون إحداث هذه المؤسسة يظل – مبدئيا – رهينا بتنصيب المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وانْطلاق أشغاله”.
ووجهت المتحدثة ذاتها انتقادات مباشرة لحزب العدالة والتنمية “الذي قاد ولايتين حكوميتين متتاليتين ولم يوقف المصادقة على القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، الذي همش حضور اللغة العربية في ميدان البحث العلمي، مقابل فتحه الباب بقوة أمام اللغة الفرنسية التي ليست لغة عالمية كما يعتقد ذلك كثيرون في المغرب”.
وزادت: “المملكة بحاجة ماسة إلى الأكاديمية المذكورة، لا سيما وأنها تضطلع بأدوار مهمة في تطوير اللغة العربية وتعزيزها. ولذلك، يجب أن تضم المتخصصين والباحثين فيها، ممن بإمكانهم المساهمة في حمايتها وضمان تموقعها جيدا في الحياة اليومية للمغاربة، وفي مجال البحث العلمي أيضا”.
مستشهدة مجددا بالنموذج الأوروبي في الحرص على دعم “اللغة الأم”، قالت سميرة بن عبد الوهاب: “في المدارس المخصصة لأبناء وموظفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يتم تدريس اللغة الأولى (L1) للتلميذ كلغة أساس، وتضاف إليها لغة ثانية (L2) وأخرى ثالثة (L3)، وذلك بحسب الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات”.
وطالبت المتحدثة بـ”تكثيف الاعتماد على اللغة العربية على مستوى أقسام التعليم الأولي، باعتبارها أولى المراحل الدراسية التي يمر منها الأطفال”، وبيّنت أن “من شأن الاعتماد على لغة أجنبية في هذه المرحلة التأثير بالسلب على تشبثهم بـ”لغة الأمة”، وفق تعبيرها.