يتوجه كتاب جديد للجمهور الواسع القارئ باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، مقدما “الرحلة المغربية” لـ”الإنسان العاقل”، واختار فيه عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار الكتابة بطريقة سردية تبسّط المعلومة العلمية حول تاريخ المغرب، بناء على مستجدات الاكتشافات الأثرية ودراسات أركيولوجيين مغاربة ومهتمين بالمغرب.
كتاب الجيب هذا الذي من المرتقب أن يكون متاحا في الدخول الجامعي الجديد، أعدّه مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة، بتقديم محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، وكتب معرفا به: “إن هذا العمل هو ثمرة مجهود سنوات من البحث ضمن فريق علمي، بالإضافة إلى ما نُشر منذ القرن التاسع عشر من قبل باحثين آخرين؛ فالأبحاث حول ما قبل التاريخ في المغرب انطلقت في تلك الفترة، بدافع الفضول العلمي، وأحيانًا في سياق استكشافات سبقت فترة الاستعمار، ولكن أيضًا بدافع الرغبة في فهم أصول بلد إفريقي لا يبعد سوى أربعة عشر كيلومترًا عن أوروبا، ومنفتح على المشرق وإفريقيا جنوب الصحراء”.
وفي تقديم محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، سجل أنه “على الرغم من أن جل الاكتشافات الأثرية بشمال إفريقيا التي تعود إلى ما قبل التاريخ قد تم العثور عليها في المغرب، ورغم أن بعض الابتكارات البشرية القديمة اكتشفت في هذا البلد، فإن هذا الجزء الأساسي من تاريخنا لا يزال مغيبا عن الفضاء العمومي، رغم ما يُمكن أن يقدمه من مساهمة حاسمة في فهم تطور الإنسانية جمعاء”.
وتابع: “يأتي هذا العمل الذي بين أيدينا للباحث الأستاذ عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، ليسد هذا الفراغ، ويقدم رؤية جديدة لتبسيط هذا التراث الثمين والتعريف به (…) ويقدم للقارئ خلاصة وافية لمئات الآلاف من السنين التي شهدت بروز أولى مظاهر الإنسانية على أرضنا، بين جبال الأطلس، وسواحل الأطلسي، وسهوب الصحراء” حيث “يثير الانتباه الامتداد الواسع، والتنوع الكبير، وكثافة المواقع الأثرية في مختلف أرجاء المملكة”.
وذكر عالم الآثار بوزوكار في مقدمة كتابه الجديد أن “تاريخ المغرب، وخاصة ما يتعلق بأولى الأنشطة البشرية، يعود إلى ما يزيد عن مليون وثلاثمائة ألف عام، ومع ذلك، فإن عامة الناس لا يعرفون سوى الجزء الضئيل من هذا الماضي العميق. إن تاريخ المغرب لا يستند فقط إلى الوثائق المكتوبة، بل أيضًا إلى الشواهد المادية التي كشف عنها علماء الآثار من خلال الحفريات التي امتدت أحيانًا لعدة عقود”.
ثم أردف قائلا: “بدأت الأبحاث حول ما قبل التاريخ في المغرب أواخر القرن التاسع عشر، ورغم ما تناولته من دراسات، فإن هذه الحقبة لا تزال غامضة إلى حد كبير. ومقارنة مع مناطق أخرى من العالم، فإن علم ما قبل التاريخ في المغرب لا يزال علمًا فتيًّا نسبيًا. فحتى وقت قريب، لم يكن بالإمكان تقديم نظرة تركيبية حول ما قبل التاريخ في المغرب بسبب ندرة المعطيات وقلة تراكم المنشورات”.
وأكّد عالم الآثار أن “ما قبل التاريخ، باعتباره علما، يرتكز بشكل أساسي على الشواهد المادية، وهو ما يستوجب الكثير من التحاليل والدراسات، الميدانية والمختبرية على حد سواء، وهو مسار طويل يفسر بطء التوصل إلى نتائج موثوق بها”، ليزيد: “تُمثل هذه الفترة من تاريخ المغرب ثمرة تراكم طويل من التكيفات، والابتكارات، والتفاعلات، والنجاحات، بل والإخفاقات أيضًا. ومن التبسيط اختزالها في صورة فترات عاش فيها أسلافنا تحت ظروف مناخية قاسية، يواجهون الأخطار ويقضون حياة «بدائية»”.
وباقتراح من وزير الثقافة، جاء هذا العمل بعد “تحيين ملخص كان غير متاح في السابق لعموم القراء، مع الحرص على تبسيطه وتقديمه بشكل مفهوم”، ليجيب الأركيولوجي عبد الجليل بوزوكار عن كيف يمكن أن نسرد بأسلوب سهل وبسيط هذه الفترة من تاريخ المغرب؟ بالتنبيه إلى “أنها مهمة صعبة وشائكة، ولا يمكن أن تكون كاملة وشاملة، ما دامت الاكتشافات الأثرية في سيرورة، فهي تتباين ولا تتشابه، وتُغني باستمرار معرفتنا بخصوص الماضي البعيد للمغرب”.
ويقترح كتاب “الإنسان العاقل: الرحلة المغربية” اكتشاف ما نقّب عليه علماء مغاربة وأجانب وحلّلوه ودرسوه حول “أكثر من مليون عام من التاريخ ترقد تحت أقدامنا، تشهد عليها بقايا الحمض النووي الأحفوري، والأحجار المشذبة، والعظام المدفونة”، التي يصفها بكونها “ذاكرة صامتة، منقوشة في الجبال والكثبان، والكهوف والوديان”.