في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في قلب جبال الأطلس الكبير، حيث تتعانق قمم الجبال مع خضرة الوديان، يقف مركز التكوين في المهن الجبلية بآيت بوكماز صامتا منذ عقد من الزمن، شاهدا على تاريخ من الإشعاع المعرفي والمهني الذي كان يميز المنطقة. هذا المركز، الذي أُنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، يُعد الأول من نوعه على الصعيد الإفريقي. تكون فيه شباب من مختلف ربوع المغرب وحتى من خارجه، في مجالات السياحة الجبلية، والحرف التقليدية، والزراعة البيئية، وفنون العيش في المناطق الجبلية.
كان المركز تحت إشراف وزارة الداخلية، التي وفرت البنية الأساسية والموارد البشرية اللازمة، إلى حدود سنة 2013، لتوصد أبوابه بدعوى إعادة الهيكلة. في هذا الإطار، تحدث رئيس جماعة تبانت، خالد تكوكين، في تصريح لـ”جريدة العمق” بحسرة عن واقعة الإغلاق قائلاً: “منذ إغلاق المركز ونحن نترافع من أجل إعادة فتحه، لما له من أثر اقتصادي وثقافي على المنطقة”.
وأكد تكوكين أن الترافع أثمر توقيع شراكة رباعية لبعث الحياة في المركز بين وزارة الداخلية التي أُسندت لها مهمة تسيير المركز، إلى جانب وزارة السياحة التي ستتكلف بالإشراف على التكوين في الشق السياحي، مع تخصيص منح للمواكبة والتدرج المهني في مهن الجبل الأخرى، والتي ستشارك فيها المديريات الإقليمية للفلاحة والصناعة التقليدية والتكوين المهني. فيما أُسندت لجماعة تبانت، يضيف المتحدث، مهام الحراسة والعناية بالفضاءات الخضراء داخل المركز. على أن يتولى مجلس جهة بني ملال-خنيفرة أشغال التأهيل، والذي رصد غلافاً مالياً قدره 8 ملايين درهم منذ 2019 لإصلاح المركز وتجديد تجهيزات الإيواء والتكوين.
مطلب إعادة فتح مركز التكوين في المهن الجبلية كان حاضراً بقوة في مطالب المسيرة الاحتجاجية الأخيرة التي شهدتها آيت بوكماز، حيث رفعت الساكنة هذا المطلب ضمن الشعارات الأساسية لـ”مسيرة الكرامة” التي نُظمت الشهر الماضي وشغلت الرأي العام المحلي والوطني.
ورغم وضوح الأدوار في الاتفاق الرباعي وتخصيص الموارد، ما تزال الإصلاحات داخل المركز تسير بوتيرة بطيئة منذ أربع سنوات، إذ لم تُنجز أشغال الإصلاح بالشكل المتوقع، رغم أن مشروع الإصلاح الذي أُطلق حينها حُددت مدته في ستة أشهر فقط. وهو ما أثار استياء الساكنة التي ترى في التأخر تعطيلاً لمشروع تنموي استراتيجي.
من جهته، يسترجع محمد أوتكلاووت، مرشد سياحي وصاحب وكالة أسفار محلية، ذكرياته كطالب في المركز: “كان تجربة رائدة بكل المقاييس، المركز لم يكن مجرد فضاء للتكوين، بل كان مدرسة للحياة. تعلمنا فيه الحرف، وتعرفنا على ثقافات مختلفة، وفتح لنا أبواب العمل في السياحة الجبلية. بفضله أسست وكالتي السياحية، وصرت أستقبل زواراً من أنحاء العالم”، قبل أن يضيف متأسفاً: “إغلاق هذه المنارة كل هذه المدة خسارة كبرى لآيت بوكماز. كان يمنح إشعاعاً للمنطقة وينعش اقتصادها، وأتمنى أن يُعاد فتحه قريباً”.
اليوم، ومع مرور عشر سنوات على توقفه، تزداد المطالب بإعادة بعث هذا الصرح الفريد، ليس فقط كمركز للتكوين، بل كمحرك للتنمية المستدامة، يربط بين المحافظة على التراث الطبيعي والثقافي، وتوفير فرص للشباب.
أما بالنسبة للساكنة، فلم يعد الأمر مجرد قضية مؤسسة مغلقة، بل قضية كرامة وتنمية وحق مشروع في الاستفادة من ثروات ومؤهلات المنطقة. فقد اعتبروا أن استمرار إغلاق المركز، رغم رصد اعتمادات مالية مهمة منذ 2019، يعكس غياب إرادة حقيقية لمعالجة ملفات الهشاشة التي تعاني منها المنطقة.