نبهت جهات مهنية إلى “ممارسات طارئة” بدأت تبرز داخل قطاع النقل عبر التطبيقات الذكية، تتجلى في “رفض بعض السائقين المحليين اشتغال زملائهم القادمين من مدن أخرى ضمن المنصات نفسها، رغم أن الإطار التقني والقانوني للتطبيق يتيح لهم ذلك”، معتبرةً أنها “سلوكات خاطئة تسيء إلى روح التضامن المفترض بين العاملين في هذا المجال”.
وعاينت هسبريس في مراكش سجالا مماثلا حين بادر أحد سائقي النقل عبر التطبيقات إلى القول إن “المدينة تعرف إنزالًا مروعا من طرف سائقين قادمين من مدن أخرى، جاؤوا للاشتغال عبر التطبيق ومنافسة أبناء المدينة”، معبّرًا عن استيائه مما وصفه بـ”غياب الإنصاف داخل المنصة، التي يجب أن تفرض الاشتغال في مدينة واحدة لكلّ حساب”.
الأخطر ما وقفت عليه الجريدة، الأحد المنصرم، في إحدى المدن الساحلية القريبة من الدار البيضاء، حين اعترف أحد العاملين في النقل عبر التطبيقات الذكية، بصريح اللغة، بأنه “ينسق مع السلطات الأمنية ومع مهنيين بالمدينة لتعقب كل سيارة تحمل ترقيمًا ‘غريبًا’ عن المدينة، وإيقاف صاحبها إذا تبيّن أنه يشتغل في هذا النوع من النقل”.
هذا النوع من التصريحات يُعبّر، وفق تنظيمات نقابية، عن “توجّه مقلق يهدد مبدأ الانفتاح وتكافؤ الفرص الذي تقوم عليه التطبيقات الذكية، ويعيد إنتاج منطق الاحتكار المجالي الذي شكّل أحد أبرز أعطاب قطاع النقل التقليدي”، خصوصًا أن “هذه الممارسات تصدر عن أشخاص يشتغلون في الإطار نفسه، لكنهم يفتعلون معارك جديدة تستدعي التكتل من أجل الدفع في اتجاه تقنين الخدمة وضبطها”.
وقال سمير فرابي، الأمين العام للنقابة الديمقراطية للنقل، إن بعض السائقين الذين يشتغلون في إطار التطبيقات الذكية يعمدون في بعض الحالات إلى رفض اشتغال سائقين آخرين قادمين من مدن مختلفة داخل المنصة نفسها، مضيفا أن “هؤلاء لا يترددون أحيانًا في إشعار السلطات من أجل التدخل وضبط السائقين القادمين، رغم أنهم يشتغلون جميعًا في الإطار نفسه، ما يطرح إشكالات حقيقية تتعلق بالتضامن المهني وبتنظيم القطاع”.
وأكد فرابي، أثناء تواصله مع هسبريس، أن “هذه السلوكات تبقى مع ذلك حالات معزولة واستثناءات لا يمكنها أن تنال من أهمية الخدمة التي تتيحها هذه التطبيقات”، موضحًا أن “التطبيق في حد ذاته يمنح الحق للسائق في العمل في أي مدينة يتواجد بها، وفقًا لإستراتيجيّته وقانونه الداخلي، الذي لا يخول لأي مستخدم أن يفرض منطقه الخاص أو أن يحتكر مدينة بعينها وكأنها ملك خاص له، ويمنع الآخرين من الاشتغال فيها”.
وتابع النقابي ذاته: “من غير المقبول أن نرى من يشتغل في التطبيق نفسه ويتواطأ ضد زميل له فقط لأنه جاء من مدينة أخرى. هؤلاء يجب التبليغ عنهم من طرف باقي السائقين، والعمل على حظر حساباتهم، لأن ما يقومون به لا يعكس روح العمل المشترك ولا يخدم الترافع من أجل التقنين”، ودعا المتضررين من هذه التصرفات إلى “القيام بالتبليغ لدى الشركة”.
وأورد المتحدث نفسه أن “قبول السائقين عقدة العمل الرقمية مع المنصة يُرتب التزامات يجب احترامها من الطرفين”، مردفا: “إذا علمنا كنقابة بوقوع مثل هذه الحالات سنتحرك على الفور. لا يمكن أن يُفرض منطق القوة أو العصبية المجالية داخل تطبيق يُفترض أنه مفتوح لجميع المغاربة دون تمييز”، مشددًا على أن “مثل هذه السلوكات تفرض منطقًا يُشبه ما كانت تعرفه بعض قطاعات النقل التقليدية غير المهيكلة، حيث يسود منطق السيطرة والاحتكار”.
وأكد فرابي أن “النقابة ستتابع هذا الملف بشكل دقيق، وإذا ثبت تورط أي شخص في منع أو التبليغ عن سائق آخر فقط لكونه من مدينة أخرى فإن المتابعة القضائية تبقى خيارًا مطروحًا”، مبرزا أن “غياب إطار قانوني منظم للقطاع يزيد من فوضى الاجتهادات الفردية، لأن قطاع سيارات الأجرة غير مهيكل وقطاع النقل عبر التطبيقات غير مقنن؛ وهما معا بحاجة إلى قانون منظم للقطاع يجمعها وينصّ على صلاحيتهما”.
كما لفت الفاعل المهني إلى أن “التنظيم القانوني سيكون بمثابة فيصل، أي إنه يُحدد الحقوق والواجبات، ويمنع التضارب في الصلاحيات أو احتكار الخدمة”، وزاد: “عندما يكون القانون واضحا ستكون الاختصاصات محددة، ولن يكون بإمكان أي طرف أن يتصرف خارج إطاره، لأن الضوابط القانونية ستُفعل، والمحاسبة ستكون ممكنة”.
كما أشار النقابي ذاته إلى أن “السائقين في التطبيقات الذكية باتوا يُعدّون محترفين، بناءً على عدد الرحلات وجودة الخدمات التي قدموها للمواطن، إلى درجة اقتناعه بهذا النمط الجديد من النقل”، مستغربًا “بعض المطالب المهنية التي تسعى إلى حصر عمل التطبيقات في سائقي سيارات الأجرة”، ومعتبِرًا ذلك بمثابة “اختطاف للجهد الذي بذله السائقون الخواص في هذا المجال، وفي فتح النقاش حوله بشكل عام”.