تُعد القراءة من أهم الوسائل التي تبني شخصية الإنسان وتصقل فكره، فهي نافذته إلى العالم الخارجي ومصدر معرفته الأساسية، فمن خلالها، يتعرّف الفرد على تجارب الآخرين، ويكتسب ثقافات متعددة، ما يعزز قدرته على التفكير النقدي والتعبير الواضح والفعّال.
والإنسان القارئ لا يكتفي بتوسيع مداركه اللغوية والذهنية، بل يصبح أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، ويكتسب ثقة بالنفس نابعة من وعي ومعرفة راسخة. كما تنمي القراءة القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتغرس في الفرد حس الانتماء والهوية الثقافية.
وبحسب دراسات، فإن المجتمعات التي تشجع على القراءة تُراكم رأس مال بشري مثقف، قادر على الابتكار والتطوير. وهي أيضًا تخلق مواطنين واعين بالحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.
كما تلعب القراءة دورًا محوريًا في تعزيز التفاهم والتسامح، إذ تتيح الاطلاع على تنوع الثقافات والأفكار، مما يسهم في تقليص الهوة بين الأفراد والشعوب.
في هذا الصدد، يرى الدكتور طارق القطيبي، الباحث والمتخصص في الدراسات الأندلسية، أن القراءة بكل أشكالها تشكل حجر الزاوية في صقل مهارات الفرد الثقافية والمساهمة في بناء مجتمع المعرفة الذي نثوق إليه جميعا.
واعتبر القطيبي في تصريح لجريدة العمق المغربي، أن القراءة حاجة وجودية لمجتمعات تطمح إلى تحقيق تنمية مستدامة قائمة على المعرفة والوعي. ويؤكد أن بناء مجتمع المعرفة يمرّ حتمًا من بوابة القراءة، باعتبارها أساسًا لترسيخ الفكر النقدي، وتوسيع مدارك الفرد، وتعزيز مشاركته الواعية في الحياة العامة.
ويشير القطيبي إلى أن القراءة تُسهم في تنمية الإنسان على مستويات متعددة: فهي تطوّر قدراته الذهنية، وتقوّي لغته، وتمنحه أدوات التفكير السليم، وتفتح له آفاقًا واسعة للاطلاع على تجارب الآخرين، مما ينعكس إيجابًا على قدرته في التفاعل مع محيطه بشكل فعّال.
وفي معرض حديثه عن التحديات الراهنة، يؤكد القطيبي أن وتيرة العصر تفرض إعادة الاعتبار للقراءة، خاصة في ظل تنامي تأثير الوسائط الرقمية التي، رغم إيجابياتها، قد تؤدي إلى تراجع التركيز والانغماس في محتويات سريعة الاستهلاك.
ويشدّد على أهمية التمييز بين الاستهلاك السطحي للمعلومة، وبين بناء المعرفة الحقيقية الذي لا يتأتّى إلا من خلال القراءة الواعية والمتأنية.
ويضيف الباحث ذاته أن مجتمعات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج إلى مواطن مثقف، قادر على التمييز بين الرأي والمعلومة، وبين الخبر اليقين والإشاعة، معتبرًا أن القراءة تزرع في الإنسان مناعة فكرية تجعله أكثر وعيًا، وأقل قابلية للتأثر بالمضامين المغلوطة أو السطحية.
ومن هنا، يدعو القطيبي إلى أن تضطلع المؤسسات التعليمية والثقافية بدورها في نشر ثقافة القراءة، من خلال توفير بيئات محفّزة، وتنوع في مصادر المعرفة، وتيسير الوصول إلى الكتاب ورقميًا أو ماديًا، بالإضافة إلى ترسيخ العادات القرائية في المراحل المبكرة من التعليم.
وفي ختام رؤيته، يشدّد الدكتور القطيبي على أن الرهان الحقيقي لبناء مجتمع متماسك ومتحضر، لا ينفصل عن تربية أجيال قارئة، ترى في المعرفة وسيلة للارتقاء، وفي الثقافة أساسًا للهوية، وفي القراءة نافذة على العالم وأداة لفهم الذات والآخر.