آخر الأخبار

بولتون يعيد التشكيك في مغربية الصحراء .. ادعاءات زائفة وأجندة متجاوزة

شارك

في خروج إعلامي جديد، اختار جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، من جديد إثارة الجدل من خلال الوقوف على الضفة المعاكسة للتوجه الرسمي لبلاده، ناسفا بعباراته ما أقرّه البيت الأبيض من اعتراف ثابت بمغربية الصحراء وسيادة المملكة على كامل ترابها الوطني، وما رافق ذلك من دعم راسخ لمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل.

حديث بولتون، الذي جاء في حوار مع صحافي إسباني، بدا كأنه محاولة لإحياء خطاب متجاوز يتجاهل التحولات السياسية والديبلوماسية التي رسخت الموقف الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، حيث عاد الرجل إلى تبني أطروحات جبهة “البوليساريو” الانفصالية، متغاضيا عن قرارات مجلس الأمن، التي تشدد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي، وعن المعطيات الميدانية التي تعكس التحولات التنموية والاستقرار الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية للمملكة.

واستحضر بولتون، في الحوار المصور، ما وصفه بـ “التزامات 1991” بخصوص تنظيم استفتاء لتقرير المصير، متناسيا أن هذه الصيغة أصبحت متجاوزة بحكم القرارات الأممية اللاحقة، وأن الأمم المتحدة نفسها تعتبرها غير قابلة للتنفيذ. كما أغفل التقدم المحرز على الأرض من خلال المشاريع المهيكلة، والنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي جعل المنطقة قطبا اقتصاديا وجسرا للتعاون الإفريقي والقاري.

وفي تصريحاته حاول بولتون الربط بين استمرار النزاع وأمن منطقة الساحل، متغافلا كون المملكة المغربية شريك أساسي في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وهو ما تؤكده التقارير الدولية، التي تشيد بدور المغرب في حفظ السلم والأمن في القارة الإفريقية، وهي الحقائق ذاتها التي تضع أطروحات بولتون في خانة المواقف السياسية الموجهة أكثر من كونها قراءة واقعية للأحداث.

كما خصص بولتون جانبا مهما من حديثه لبعثة الأمم المتحدة (المينورسو)، معتبرا أن دورها الأساسي كان ينبغي أن ينحصر في الإشراف على تنظيم استفتاء لتقرير المصير. وانتقد ما وصفه بـ “غياب آلية لمراقبة حقوق الإنسان”، غير أن هذا الطرح يتجاهل أن “المينورسو” جددت ولايتها بقرارات متتالية من مجلس الأمن لضمان وقف إطلاق النار ومواكبة العملية السياسية، دون تكليفها بمهام خارج إطار اختصاصها؛ وهو ما يحظى بإجماع دولي يحترم سيادة المملكة، ويتماشى مع مقترح الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي ومتوافق عليه.

وعلى صعيد آخر، انتقد مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق فرنسا، مدعيا انحيازها إلى الموقف المغربي، في حين أن العلاقات المغربية الفرنسية قائمة على أسس التعاون الاستراتيجي والمصالح المشتركة، كما أن دعم باريس لمبادرة الحكم الذاتي يعكس انسجاما مع الموقف الدولي الداعي إلى حل سياسي واقعي ودائم، وليس انحيازا أحاديا كما حاول تصويره.

وتأتي تصريحات بولتون في الوقت الذي تتنامى الدعوات داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتصنيف جبهة “البوليساريو” تنظيما إرهابيا، نظرا لارتباط عناصرها بشبكات مسلحة في منطقة الساحل، الشيء الذي يضع محاولة بولتون إعادة إحياء خطاب الانفصال في تناقض صارخ مع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وحماية الاستقرار الإقليمي، ويعكس انفصالا عن السياق الراهن الذي تشهده المنطقة.

مزاعم زائفة

عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” ونائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، قال إن الخرجة الجديدة لجون بولتون، مستشار الأمن القومي والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، ووجهة نظره بخصوص نزاع الصحراء المغربية، يمكن تصنيفها في إطار سعي الجزائر إلى تكثيف المبادرات المناهضة لمسار حل النزاع ومساعي الأمم المتحدة لإيجاد تسوية سياسية عادلة وقابلة للتطبيق، وفق قرارات مجلس الأمن، التي أجمعت على اعتبار مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المملكة المغربية مخططا مناسبا لإنهاء المشكلة، ومتوافقا مع مقتضيات القانون الدولي، كشكل من أشكال فض النزاعات بالطرق السلمية، بعد عقود من محاولة تنزيل مخطط التسوية الأممي، والدفع نحو بحث إمكانية إجراء استفتاء لتحديد طبيعة الإقليم.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تصريحات بولتون حول ضرورة تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية ليست مسنودة بقناعة راسخة بتطبيق قواعد القانون الدولي، ولا تعكس تراكم تجارب ميدانية ترجح هذا الخيار، ولا تنطوي على تقييم موضوعي لمسار البحث عن الحل، بل تجد مبررها في رغبة شخصية لدى المسؤول الأمريكي السابق في معاكسة قرارات رؤسائه، انتقاما لتهميشه ووضعه جانبا إثر ارتكابه أخطاء جسيمة في تدبير ملفات دولية، في مقدمتها النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وأبرز أن فكرة إجراء استفتاء في الصحراء المغربية غير قابلة للتطبيق لأسباب تقنية محضة، ترتبط باستحالة تحديد من هو الصحراوي المؤهل للتصويت، وما إن كان سيتم الاعتماد على الإحصاء الإسباني المليء بالاختلالات، وفي مقدمتها الإقصاء الممنهج لمجموعات قبلية كبرى ضمن سياسة المستعمر الإسباني إضعاف المقاومة، أو الارتكاز على الانتماء القبلي أو الجغرافي أو امتداد القبائل خارج الإقليم، وهو ما سيلحق حيفا بفئات واسعة من الصحراويين، الذين لم تطأ أقدامهم قط منطقة لحمادة، ولم ينتموا إلى المجال الصحراوي الجزائري.

وأكد الخبير ذاته أن تصريح بولتون بارتباط استقرار إفريقيا بحل النزاع عبر الاستفتاء مجانب للصواب لأن طرح فكرة الحل السياسي لم يكن خطوة مغربية فقط، بل جاء نتيجة تقييم شامل لمسار التسوية الأممية، التي أقرت باستحالة تطبيق الاستفتاء بسبب محاولات الجزائر و”البوليساريو” إغراق عملية تحديد الهوية بآلاف الأشخاص من موريتانيا والجزائر، الذين لا تربطهم أي علاقة بالصحراء، مضيفا أن “الزعم بتهديد استقرار المنطقة ادعاء مردود، فـ”البوليساريو” هي الجهة التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار منذ 1991، وسعت إلى عرقلة عمل بعثة “المينورسو”، إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الجزائر و”البوليساريو” في المخيمات ضد المدنيين الصحراويين الرافضين لواقع الاحتجاز والقمع الممنهج”.

وفي هذا السياق، يرى الكاين أن ادعاء بولتون بأن المغرب والصحراء لم يكونا كيانا واحدا باطل قانونا وتاريخا وجغرافيا؛ إذ تجمع بين سكان الصحراء والسلالات الحاكمة بالمغرب، خاصة الملوك العلويين، روابط البيعة المستمرة منذ قرون، إلى جانب تعيين القواد والأعيان لتسيير شؤون القبائل وإدارة الشأن المحلي، بما في ذلك التدبير الديني والدفاعي والتجاري.

استفزاز سياسي

من جانبه، سجل بيبوط دداي، الباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن المستشار الأمريكي للأمن القومي السابق أطلق، في حوار مع الصحافي الإسباني هيكتور سانتوروم، تصريحات مثيرة تزامنت مع اقتراب تداول ملف الصحراء المغربية في مجلس الأمن لبحث تمديد ولاية بعثة “المينورسو”، وقبيل أيام من انعقاد مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية، الذي يرفض أحد أطرافه الرئيسية السماح بمشاركة جبهة “البوليساريو” لعدم الاعتراف بها كدولة، رغم الضغوط الجزائرية المكثفة لفرض حضورها.

وأوضح دداي، في إفادة لهسبريس، أن هذا الموقف يندرج في إطار محاولات حكام الجزائر التغطية على إخفاقاتهم الدبلوماسية المتتالية، بعد الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء من مختلف أنحاء العالم، وترسيخ قناعة المجتمع الدولي بجدية وعدالة وقابلية مقترح الحكم الذاتي للتطبيق، رغم ما تسخره الجزائر من إمكانيات مالية وجهود سياسية لخلق مناطق نفوذ، والتأثير على مسار الحل في المحافل الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي ومجلس حقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة.

وأكد أن الزعم بعدم انتماء الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية ادعاء يفتقر إلى سند تاريخي أو قانوني، مبرزا أن “المعطيات التاريخية والميدانية تثبت وحدة الصحراء مع باقي مناطق المغرب منذ ما قبل نشأة دولة المرابطين، مرورا بمحطات بارزة جسدت فيها الروابط بين الملوك العلويين وسكان الصحراء وحدة المصير، بما في ذلك مشاركتهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي قبل إخضاع الصحراء للحكم الإسباني”.

وأضاف الباحث في خبايا الصراع أن هذه الادعاءات تسعى إلى تشويه الحقائق وتبخيس النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية في إقناع شركاء دوليين بعدالة موقفها، استنادا إلى الروابط التاريخية والقانونية، وإلى إرادة السكان الصحراويين المعلنة، وانخراطهم في بناء المغرب الحديث ضمن مسار ديمقراطي متطور، مقابل ما تشهده الجزائر من اضطرابات سياسية تحول دون إقامة نموذج ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات.

وأنهى دداي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن قول بولتون إن عدم تنظيم الاستفتاء أمر “غير عادل” هو طرح مردود عليه لأن استحالة تطبيقه كانت نتيجة مباشرة لتصرفات الجزائر كطرف رئيسي في النزاع، وسعيها الدائم لتعطيل جهود الحل من أجل تحقيق مكاسب جيوسياسية، أهمها إيجاد منفذ بحري على المحيط الأطلسي لتسويق مواردها الطبيعية، لافتا إلى أن “هذه التصريحات لا تعدو أن تكون امتدادا لخطاب سياسي جزائري موجه ضد المغرب، ولن تؤثر في مواقف الدول الداعمة لمغربية الصحراء أو في وجاهة مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بقبول واسع”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا